(فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) قدّم الصلة ، للدلالة على أنّ الحبّ معظم ما يؤكل ويعاش به ، ومنه صلاح الإنس ، وإذا قلّ جاء القحط ووقع الضرّ ، وإذا فقد جاء الهلاك.
(وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) من أنواع النخل والعنب ، ولذلك جمعهما دون الحبّ ، فإنّ الدالّ على الجنس مشعر بالاختلاف ، ولا كذلك الدالّ على الأنواع. وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحبّ. وجمع الأعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع.
(وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) أي : شيئا من العيون. فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه. أو العيون ، و «من» مزيدة عند الأخفش.
(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) ثمر ما ذكر. وهو الجنّات. وقيل : الضمير لله على طريقة الالتفات. والإضافة إليه ، لأنّ الثمر بخلقه وفعله. فالمعنى : ليأكلوا ممّا خلقه الله من الثمر. وقرأ حمزة والكسائي بضمّتين (١). وهو لغة فيه ، أو جمع ثمر.
(وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) عطف على الثمر. والمراد : ما يتّخذ منه ، كالعصير والدبس ، وغير ذلك من الأعمال. يعني : أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه ، وفيه آثار من كدّ بني آدم. وقيل : «ما» نافية. والمعنى : أنّ الثمر بخلق الله لا بفعلهم. ويؤيّد الأوّل قراءة الكوفيّين غير حفص بلا هاء ، فإنّ حذفه من الصلة أحسن من غيرها. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أمر بالشكر من حيث إنّه إنكار لتركه.
ثمّ نزّه سبحانه نفسه وعظّمها ، دالّا بذلك على أنّه هو الّذي يستحقّ منتهى الحمد وغاية الشكر ، فقال :
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي : تنزيها وتعظيما وبراءة عن السوء ، للّذي خلق جميع الأنواع والأصناف (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من سائر النبات والشجر (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) الذكر والأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) وأزواجا ممّا لم يطلعهم الله
__________________
(١) أي : ثمره.