ذلك مع تولّيهم أنواع الفساد ، فنهوا عن ذلك. والعثيّ بمعنى أشدّ الفساد. يقال : عثا في الأرض يعثو ، وعثى يعثى ، وعاث يعيث.
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) وذوي الخليقة الأوّلين. يعني : من تقدّمهم من الخلائق. وهو كقولك : خلق الأوّلين.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أتوا بالواو للدلالة على أنّه جامع بين وصفين متنافيين للرسالة ، وهما : التسحير والبشريّة ، مبالغة في تكذيبه. يعني : أنّ الرسول لا يجوز أن يكون مسحّرا ، ولا يجوز أن يكون بشرا.
(وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) وإنّا نظنّك كاذبا في دعواك.
واعلم أنّ «إن» المخفّفة من الثقيلة ولامها تفرّقتا على فعل الظنّ وثاني مفعوليه ، لأنّهما في الأصل يتفرّقان على المبتدأ والخبر ، كقولك : إن زيد لمنطلق.
فلمّا كان باب «كان» وباب «ظننت» من جنس باب المبتدأ والخبر ، قالوا أيضا في البابين : إن كان زيد لنا عما ، (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ).
(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي : قطعا من السحاب. جمع الكسفة ، نحو القطع جمع القطعة. وقرأ حفص بفتح السين. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك. وما كان طلبهم ذلك إلّا لتصميمهم على الجحود والتكذيب ، ولو كان فيهم أدنى ميل إلى التصديق لما أخطروه ببالهم ، فضلا أن يطلبوه. وذكر «إن» مشعر بإضمار الشرط. والمعنى : إن كنت صادقا أنّك نبيّ فادع الله أن يسقط علينا كسفا من السماء.
(قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) وبما تستوجبون عليه من العقاب. فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل ، وإن أراد عذابا آخر فإليه الحكم والمشيئة.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) على نحو ما اقترحوا ، بأن سلّط الله