وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بحذف الهمزة ، وإلقاء حركتها على اللام ، على وزن ليلة. ونصب التاء على أنّها غير منصرفة ، لأنّها اسم بلدتهم. وإنّما كتبت هاهنا وفي سورة ص (١) بغير ألف اتباعا لخطّ المصحف ، فإنّها وجدت مكتوبة في هاتين السورتين على حكم لفظ اللافظ.
(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وقد مرّ تفسيرها قبل.
وإنّما حكى الله سبحانه دعوة كلّ نبيّ بصيغة واحدة ولفظ واحد ، إشعارا بأنّ الحقّ الّذي يأتي به الرسل ويدعون إليه واحد ، من اتّقاء الله تعالى ، واجتناب معاصيه ، والإخلاص في عبادته وطاعة رسله. وأنّ الأنبياء لا يكونون إلّا أمناء الله في عباده ، فإنّه لا يجوز على واحد منهم أن يأخذ الأجرة على رسالته ، لما في ذلك من التنفير عن قبولهم.
ثمّ قال : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أتمّوه وافيا غير ناقص (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الناقصين حقوق الناس بالتطفيف.
(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) بالميزان السويّ. قيل : هو عربيّ من القسط ، وهو العدل ، على وزن فعلاس ، بزيادة الألف والسين ، أو فعلاع بتكرير العين. أو على وزن فعلال من الرباعي. وقيل : هو روميّ ، بمعنى العدل أيضا. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) ولا تنقصوا شيئا من حقوقهم. من : بخسته إذا نقصته. والبخس عامّ في كلّ حقّ ثبت لأحد أن لا يهضم ، وفي كلّ ملك أن لا يغصب عليه مالكه ، ولا يتحيّف منه ، ولا يتصرّف فيه إلّا بإذنه تصرّفا شرعيّا.
(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) بالقتل والغارة وقطع الطريق. وكانوا يفعلون
__________________
(١) ص : ١٣.