(أَنْعاماً) خصّها بالذكر ، لما فيه من بدائع الفطرة وكثرة المنافع (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) متملّكون بتمليكنا إيّاها. أو متمكّنون من ضبطها ، متصرّفون فيها تصرّف الملّاك بتسخيرنا إيّاها لهم ، كقوله :
أصبحت لا أحمل السلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا |
أي : لا أضبطه.
(وَذَلَّلْناها لَهُمْ) صيّرناها منقادة لهم (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) مركوبهم (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أي : ما يأكلون لحمه (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) من الجلود والأصواف والأوبار وغير ذلك (وَمَشارِبُ) من اللبن. جمع مشرب ، بمعنى موضع الشرب ، أو المصدر.
ذكرها مجملة ، وقد فصّلها في قوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) (١) الآية.
وأمال الشين ابن عامر وحده برواية هشام. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) نعم الله في ذلك ، إذ لولا خلقه لها وتذليله إيّاها ، كيف أمكن التوسّل إلى تحصيل هذه المنافع المهمّة؟
ثمّ ذكر سبحانه جهلهم فقال : (وَاتَّخَذُوا) وعبدوا (مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) أي : أشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة ، وعلموا أنّه المتفرّد بها (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم (٢) من الأمور ، والأمر على عكس ما قدّروا ، لأنّهم (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) ودفع الحزن عنهم (وَهُمْ لَهُمْ) لآلهتهم (جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) معدّون ، يخدمونهم ويذبّون عنهم. أو اتّخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم ، والأمر على خلاف ما توهّموا ، حيث هم محضرون إثرهم في النار ، فإنّ كلّ حزب مع ما عبدوه من الأوثان في النار ، فلا الجند يدفعون عنها الإحراق ، ولا هي تدفع عنهم العذاب. وهذا كما قال سبحانه :
__________________
(١) النحل : ٨٠.
(٢) أي : أصابهم واشتدّ عليهم.