واعلم أنّ هذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الاختصار ، تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتهديدا للمكذّبين به. ثمّ قرّر حقّية تلك القصص بقوله : (وَإِنَّهُ) وإنّ هذا التنزيل. يعني : ما نزل من هذه القصص. (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لمنزل (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ).
وقرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد الزاي ، ونصب «الرّوح الأمين». وعلى القراءتين الباء للتعدية. فعلى القراءة الأولى معناه : نزل القرآن الروح الأمين. وعلى الثانية معناه : جعل الله الروح الأمين نازلا به على قلبك.
والروح الأمين جبرئيل عليهالسلام ، فإنّه عليهالسلام أمين الله على وحيه ، ويحيي به الدين ، أو يحيي به الأرواح بما ينزل من البركات. أو لأنّ جسمه روحانيّ.
والقلب إن أراد به الروح فذاك. وإن أراد به العضو ، فتخيصه لأنّ المعاني الروحانيّة إنّما تنزل أوّلا على الروح ، ثمّ تنتقل منه إلى القلب ، لما بينهما من التعلّق ، ثمّ تتصعّد منه إلى الدماغ ، فينتقش بها لوح المتخيّلة.
والمعنى : حفّظك وفهّمك إيّاه ، وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى ، كقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (١).
(لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) عمّا يؤدّي إلى عذاب من فعل أو ترك. وفيه تنبيه على إعجاز القرآن ونبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ الإخبار عن هذه القصص ممّن لم يتعلّم لا يكون إلّا وحيا من الله عزوجل.
(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) واضح المعنى. وهو إمّا متعلّق بالمنذرين. ومعناه : لتكوننّ ممّن أنذروا بلغة العرب. وهم خمسة : هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ومحمّد صلّى الله عليهم. أو متعلّق بـ «نزل».
(وَإِنَّهُ) وإنّ القرآن ـ يعني : ذكره ، أو معناه ـ مثبت (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) لفي
__________________
(١) الأعلى : ٦.