مربوبون من : دانه أي : ساسه. وفي الحديث : «الكيّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت».
(قالَ) أي : ذلك القائل (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين. يقال : اطّلع على كذا إذا أشرف عليه. وقيل : إنّ في الجنّة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار. وقيل : القائل هو الله أو بعض الملائكة ، يقولون لهم : هل تحبّون أن تطّلعوا على أهل النار ، لأريكم ذلك القرين ، فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم؟
(فَاطَّلَعَ) عليهم (فَرَآهُ) أي : قرينه (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطه (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) لتهلكني بالإغواء. من الإرداء بمعنى الإهلاك. و «إن» هي المخفّفة ، واللام هي الفارقة ، أي : إنّك كدت تهلكني بما قلته لي ودعوتني إليه ، حتّى يكون هلاكي كهلاك المتردّي من شاهق. ومنه قوله : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) (١) أي : تردّى في النار. (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) باللطف والعصمة والتوفيق (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) من الّذين أحضروا العذاب معك في النار.
ثمّ يقول على وجه التقرير والتحقيق : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) عطفا على محذوف ، أي : أنحن مخلّدون منعّمون فما نحن بميّتين؟ أي : بمن شأنه الموت (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) الّتي كانت في الدنيا. وهي متناولة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال. ونصبها على المصدر من اسم الفاعل. وقيل : على الاستثناء المنقطع. (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) كالكفّار. وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له. أو معاودة إلى مكالمة جلسائه ، تحدّثا بنعمة الله. أو تبجّحا بها وتعجّبا منها ، وإظهارا للسرور بدوام نعم الجنّة ، وتعريضا للقرين بالتوبيخ.
(إِنَّ هذا) أي : هذا الأمر الّذي نحن فيه ، من نعيم الجنّة والخلود فيها ، والأمن من العقاب (لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فإنّه يقول ذلك أيضا سرورا وفرحا
__________________
(١) الليل : ١١.