وحجّة من قال إنّه إسحاق : أنّ أهل الكتابين أجمعوا على ذلك. وجوابه : أنّ إجماعهم ليس بحجّة ، وقولهم غير مقبول.
وروى محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن كعب القرظي ، قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فسألني عن الذبيح. فقلت : إسماعيل. واستدللت بقوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا) (١). فأرسل إلى رجل بالشام كان يهوديّا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنّه من علماء اليهود. فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك وأنا عنده ، فقال : إسماعيل. ثم قال : والله يا أمير المؤمنين إنّ اليهود لتعلم ذلك ، ولكنّهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون الذبيح أباكم. فهم يجحدون ذلك ، ويزعمون أنّه إسحاق ، لأنّ إسحاق أبوهم. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو فيهما بفتح الياء.
ومعنى الآية : أنّ إبراهيم قال لابنه إسماعيل : إنّي أبصرت في المنام أنّي أذبحك. أو رأيت رؤيا تأويلها الأمر بذبحك. (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) أي : أيّ شيء تراه من الرأي. فيكون «ماذا» في موضع النصب بمنزلة اسم واحد. ولا يجوز أن يكون «ترى» بمعنى : تبصر ، لأنّه لم يشر إلى شيء يبصر بالعين. ولا يجوز أن يكون بمعنى : علم أو ظنّ أو اعتقد ، لأنّ هذه الأشياء تتعدّى إلى مفعولين ، وليس هنا إلّا مفعول واحد ، مع استحالة المعنى. فلم يبق إلّا أن يكون من الرأي.
وإنّما شاوره فيه وهو حتم من الله ، ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله ، فيثبت قدمه إن جزع ، ويأمن عليه الزلل إن سلّم نفسه للذبح ، وليوطّن نفسه عليه فيهون ، ويكتسب المثوبة بالانقياد لله قبل نزول البلاء.
وقرأ حمزة والكسائي : «ما ذا تري» بضمّ التاء وكسر الراء خالصة. والباقون بفتحهما. وأبو عمرو يميل فتحة الراء. وورش بين بين. والباقون بإخلاص فتحها.
__________________
(١) الصافّات : ١١٢.