ولمّا فهم إسماعيل من كلام أبيه بأنّه يذبحه أنّه مأمور من عند الله (قالَ يا أَبَتِ) وقرأ ابن عامر بفتح التاء (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) أي : ما تؤمر به. فحذف الجارّ والمجرور دفعة ، أو على الترتيب. أو افعل أمرك ، على إضافة المصدر إلى المفعول به ، وأراد منه المأمور به. وإنّما ذكر بلفظ المضارع لتكرّر الرؤيا. ورؤيا الأنبياء بمنزلة الوحي ، كما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.
وقال في المجمع : «والأولى أن يكون قد أوحى إليه في حال اليقظة ، وتعبّده بأن يمضي ما يأمره به في حال نومه ، من حيث إنّ منامات الأنبياء لا تكون إلّا صحيحة. ولو لم يأمره بذلك في حال اليقظة ، لما كان يجوز أن يعمل على ما يراه في المنام» (١).
(سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) على الذبح ، أو على قضاء الله. وقرأ نافع بفتح الياء.
(فَلَمَّا أَسْلَما) استسلما لأمر الله. وقال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه ، وأسلم إسماعيل نفسه. يقال : سلّم لأمر الله واستسلم بمعنى واحد ، أي : انقاد له وخضع.
وحقيقة معناه : أخلص نفسه لله ، وجعلها سالمة له خالصة. (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) صرعه على شقّه ، فوقع جبينه على الأرض. وهو أحد جانبي الجبهة. وقيل : كبّ إبراهيم إسماعيل على وجهه بإشارته ، لئلّا يرى فيه تغيّرا يرقّ له فلا يذبحه.
روي : أنّه قال : اذبحني وأنا ساجد لا تنظر إلى وجهي ، فعسى أن ترحمني فلا تذبحني. وكان ذلك عند الصخرة الّتي بمنى. وعن الحسن : في الموضع المشرف على مسجد منى. وعن الضحّاك : في المنحر الّذي ينحر فيه اليوم.
(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) أي : بأن يا إبراهيم. يعني : بهذا الضرب من القول.
(قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) بالعزم والإتيان بالمقدّمات. وقد روي أنّه أمرّ السكّين بقوّته
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٤٥٢.