الْمُبِينِ) الظاهر إعجازه ، وصحّة أنّه من عند الله ، على ما سبق في أوّل البقرة.
(لَعَلَّكَ باخِعٌ) أي : قاتل (نَفْسَكَ) وأصل البخع أن يبلغ بالذبح الباخع ، وهو عرق مستبطن الفقار ، وذلك أقصى حدّ الذبح. و «لعلّ» للإشفاق ، أي : أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة. (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) لئلّا يؤمنوا ، أو خيفة أن لا يؤمنوا. وإنّما قال ذلك سبحانه تسلية لنبيّه ، وتخفيفا عنه بعض ما كان يصيبه من الاغتمام.
ثمّ قال : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) دلالة وعلامة يلجئهم إلى الإيمان ، ويقسرهم عليه (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) منقادين. وأصله : فظلّوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع ، وترك الخبر على أصله ، حيث لم يقل : خاضعة أو خاضعات.
وقيل : لمّا وصفت الأعناق بالخضوع الّذي هو من صفات العقلاء أجريت مجراهم ، كقوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (١).
وقيل : المراد بها الرؤساء ومقدّموهم. وشبّهوا بالأعناق ، كما قيل لهم : هم الرؤوس والنواصي والصدور.
وقيل : الجماعات. من قولهم : جاءنا عنق من الناس ، لفوج منهم.
والجملة معطوفة على «ننزّل». ونظيره عطف «وأكن» على (فَأَصَّدَّقَ) (٢).
لأنّه لو قيل : أنزلنا بدله ، لكان صحيحا.
عن ابن عبّاس : نزلت هذه الآية فينا وفي بني اميّة. قال : ستكون لنا عليهم الدولة ، فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة ، ويلحقهم هوان بعد عزّة.
__________________
(١) يوسف : ٤.
(٢) المنافقون : ١٠.