ويعلمون الصالحات هم الموقنون بالآخرة. ويدلّ عليه أنّه عقد جملة ابتدائيّة اسميّة ، وكرّر فيها المبتدأ الّذي هو «هم» ، فإنّهما يدلّان على الثبات والاختصاص.
والمعنى : وما يوقن بالآخرة حقّ الإيقان إلّا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، فإنّ تحمّل المشاقّ إنّما يكون لخوف العاقبة ، والوثوق على المحاسبة.
ثمّ وصف من خالفهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) أي : أعمالهم القبيحة. والفرق بين إسناد هذا التزيين إلى الله تعالى ، وإلى الشيطان في قوله تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) (١) أنّ إسناده إلى الشيطان حقيقة ، وإلى الله مجاز. وله طريقان في علم البيان. أحدهما : أن يكون من المجاز الّذي يسمّى الاستعارة. والثاني : أن يكون من المجاز الحكمي.
فالطريق الأوّل : أنّه لمّا متّعهم بطول العمر وسعة الرزق ، وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتّباع شهواتهم وبطرهم ، وإيثارهم الروح والترفّه ، ونفارهم عمّا يلزمهم فيه من التكاليف الصعبة والمشاقّ المتعبة ، فكأنّه زيّن لهم بذلك أعمالهم. وإليه أشارت الملائكة في قولهم : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) (٢).
والطريق الثاني : أنّ إمهاله الشيطان ، وتخليته حتّى يزيّن لهم ، ملابسة ظاهرة للتزيين ، فأسند إليه ، لأنّ المجاز الحكمي يصحّحه بعض الملابسات.
وعن الحسن : أي أعمال الخير الّتي وجب عليهم أن يعملوها ، زيّنّاها لهم بتعريض المثوبات عليها.
(فَهُمْ يَعْمَهُونَ) عنها ، لا يدركون ما يتبعها من ضرّ أو نفع. ويقرب منه قوله :
__________________
(١) العنكبوت : ٣٨.
(٢) الفرقان : ١٨.