وقيل : المراد موسى والملائكة الحاضرون فيها ، لهم زجل (١) بالتسبيح والتقديس.
وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنّه قد قضي له أمر عظيم فيها ، وهو تكليم الله إيّاه ، واستنباؤه له ، وإظهار المعجزات عليه. وربّ خير يتجدّد في بعض البقاع ، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ، ويبثّ آثار يمنه في أباعدها ، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الّذي جرى في تلك البقعة؟! عن وهب : أنّ موسى لمّا رأى النار وقف قريبا منها ، فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة ، لا تزداد النار إلّا اشتعالا ، ولا تزداد الشجرة إلّا خضرة وحسنا ، فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة ، ولا الشجرة برطوبتها تطفئ النار. فعجب منها ، وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها ، فمالت إليه ، فخافها فتأخّر عنها ، ثمّ لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن نودي : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها).
(وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) من تمام ما نودي به ، تنزيها له عمّا لا يليق بصفاته ، تعالى عن أن يكون جسما يحتاج إلى جهة ، أو عرضا يحتاج إلى محلّ ، أو ممّن يتكلّم بآلة ، لئلّا يتوهّم من سماع كلامه تشبيها ، ولتعجيب موسى من عظمة ذلك الأمر. أو تعجّب من موسى لما دهاه من عظمته.
(يا مُوسى إِنَّهُ) الضمير للشأن. وقوله : (أَنَا اللهُ) جملة مفسّرة له. أو ضمير للمتكلّم ، و «أنا» خبره ، أي : من يكلّمك أنا ، و «الله» بيان له. (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صفتان لله ممهّدتان لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة. يريد : أنا القويّ القادر على ما يبعد من الأوهام ، كقلب العصا حيّة ، الفاعل كلّ ما أفعله بحكمة وتدبير.
__________________
(١) الزجل : الصوت.