(وَأَلْقِ عَصاكَ) عطف على «بورك» أي : نودي أن بورك من في النار ، وأن ألق عصاك. فكلاهما تفسير لـ «نودي». والمعنى : قيل له : بورك من في النار ، وقيل له : ألق عصاك. ويدلّ عليه قوله : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) (١) بعد قوله : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ) (٢) بتكرير «أن». كما تقول : كتبت إليه أن حجّ وأن اعتمر.
(فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) فألقى موسى عصاه فصارت حيّة تتحرّك باضطراب (كَأَنَّها جَانٌ) حيّة خفيفة سريعة (وَلَّى مُدْبِراً) رجع إلى ورائه (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يرجع. من : عقّب المقاتل إذا كرّ بعد الفرّ.
قال المفسّرون : لم يلتفت ولم يقف. وإنّما رعب لظنّه أنّ ذلك لأمر أريد به ، فسكّنه ونهاه عن الخوف ، وقال : (يا مُوسى لا تَخَفْ) ثقة برحمتي (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي : إنّك مرسل ، والمرسل لا يخاف ، لأنّه لا يفعل قبيحا ، ولا يخلّ بواجب فيخاف العقاب على ذلك.
ولمّا أطلق نفي الخوف عن الرسل ، كان ذلك مظنّة لطروّ الشبهة ، من نفي الخوف عن كلّهم مطلقا ، فاستدرك بقوله : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) لكن من نقص من ثوابه بترك الأولى ، كالّذي صدر من آدم ويونس وداود وسليمان ، ومن موسى بوكزة القبطي (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً) بالإنابة والانقطاع إلى الله (بَعْدَ سُوءٍ) بعد ترك الأولى. (فَإِنِّي غَفُورٌ) أستر ترك ندبه (رَحِيمٌ) أعطيه ثواب فعل الندب وإن لم يفعله. وكأنّه أراد منه التعريض بما وجد من موسى من الوكزة. وهو من التعريضات الّتي يلطف مأخذها. وسمّاه ظلما كما قال موسى : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (٣).
ويجوز أن يكون المعنى : لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح من غير المرسلين ـ لأنّ الأنبياء لا يقع منهم ظلم ، لكونهم معصومين من الذنوب والقبائح ـ ثمّ بدّله
__________________
(١ ، ٢) القصص : ٣١ ـ ٣٠.
(٣) القصص : ١٦.