واعلم أنّ خفاء حال بلقيس على سليمان ، وكانت المسافة بين محطّه وبين بلدها قريبة ، وهي مسيرة ثلاثة أيّام بين صنعاء ومأرب ، لمصلحة أراد الله تعالى فيها ، كما أخفى سبحانه مكان يوسف على يعقوب.
وتهدّي الهدهد إلى معرفة الله ، وإلى وجوب السجود له ، وإنكار سجودهم للشمس ، وإضافته إلى الشيطان وتزيينه ، لما ألهمه الله ذلك ، كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة الّتي لا يكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها. خصوصا في زمن نبيّ سخّرت له الطيور وعلم منطقها ، وجعل ذلك معجزة له.
(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) أي : فصدّهم عن السبيل لأن لا يسجدوا ، أو زيّن لهم لأن لا يسجدوا ، بحذف الجارّ ، على أنّه بدل من «أعمالهم». أو لا يهتدون إلى أن يسجدوا ، بزيادة (١) «لا».
وقرأ الكسائي ويعقوب : ألا بالتخفيف ، على أنّها للتنبيه ، و «يا» للنداء ، ومناداه محذوف ، أي : ألا يا قوم اسجدوا. وعلى الأوّل يكون ذمّا على تركه. وعلى الثاني صحّ أن يكون استئنافا من الله أو من سليمان ، والوقف على «لا يهتدون».
وكان أمرا بالسجود. وعلى الوجهين : السجدة عند قراءتها مستحبّة عندنا وعند الشافعيّة ، وواجبة عند الحنفيّة.
(الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) مصدر بمعنى المفعول. وإظهاره إخراجه ، أي : الّذي يظهر ما خفي. (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود ، من التفرّد بكمال القدرة والعلم ، حثّا على سجوده ، وردّا على من يسجد لغيره.
وإخراج الخبء يعمّ إشراق الكواكب ، وإنزال الأمطار ، وإنبات النبات ، بل الإنشاء ، فإنّه إخراج ما في الشيء بالقوّة إلى الفعل ، والإبداع ، فإنّه إخراج ما في
__________________
(١) أي : على أن تكون «لا» زائدة.