ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو ، وضمّت إليه رجالا من قومها ، أصحاب رأي وعقل ، وكتبت إليه كتابا بنسخة الهديّة ، قالت فيها : إن كنت نبيّا فميّز بين الوصفاء والوصائف ، وأخبر بما في الحقّة قبل أن تفتحها ، واثقب الدرّة ثقبا مستويا ، وأدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جانّ.
وقالت للرسول : انظر إليه إن دخلت عليه ، فإن نظر إليك نظرة غضب فاعلم أنّه ملك ، فلا يهولنّك أمره ، فإنّا أعزّ منه. وإن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنّه نبيّ مرسل.
فانطلق الرسول بالهدايا ، وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان ، فأخبره الخبر ، فأمر سليمان الجنّ أن يضربوا لبنات الذهب ، ولبنات الفضّة ، ففعلوا ثمّ أمرهم أن يفرشوا من موضعه الّذي هو فيه سبعة فراسخ ، ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضّة ، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفه (١) من الذهب والفضّة ، ففعلوا. ثمّ أمر الجنّ أن يحضروا أحسن الدوابّ في البرّ والبحر ، وربطوها عن يمين الميدان ويساره. وأمر بإحضار أولاد الجنّ ، وهم خلق كثير ، فأقيموا عن اليمين واليسار.
ثمّ قعد سليمان في مجلسه على سريره ، فوضع له أربعة آلاف كرسيّ عن يمينه ، ومثلها عن يساره. وأمر الشياطين أن يصطفّوا صفوفا فراسخ. وأمر الإنس فاصطفّوا فراسخ عن يمينه ، ومثلها عن يساره. وأمر الوحوش والسباع والهوامّ والطير ، فاصطفّوا فراسخ عن يمينه ويساره.
فلمّا دنا القوم من الميدان ، ونظروا إلى ملك سليمان بهتوا ، ورأوا الدوابّ تروث على اللبن ، فتقاصرت إليهم أنفسهم ، ورموا بما معهم من الهدايا.
__________________
(١) الشرفة من القصر : ما أشرف من بنائه. وجمعها : شرف.