فقد قصد بفعله الصوم الصحيح الذي جعله الشارع مقدّمة للاعتكاف ، فقصد القربة بالصوم ـ أي وقوعه على وجهه المحبوب عند الله ـ داخل في المنوي قهرا ولو لم يكن ملتفتا إلى رجحانه الذاتي تفصيلا ، لأنّ قصد الاعتكاف ملزوم لقصد الصوم الصحيح ، فيقع الصوم صحيحا ناويا فيه وجهه المقرّب بالالتزام.
وإن شئت قلت : إنّ مقدّمية الوضوء للصلاة وإن كانت موقوفة على كونه في حدّ ذاته عبادة ، لكن وقوعه عبادة لا يتوقّف على قصد امتثال أمره الذاتي ، بل على قصد امتثال مطلق الأمر ولو هذا الأمر المقدّمي.
وما يقال : من أنّ إطاعة الأوامر الغيريّة غير مقرّبة ، فكيف ينوي بها التقرّب!؟ مدفوع : بأنّا لا نتعقّل من القربة المعتبرة في وقوع الفعل عبادة إلّا إيجاد ما أمر به الشارع بداعي أمره ، وهو حاصل في الفرض.
نعم ، لا يترتّب على فعله ما هو من آثار إطاعة أمره النفسي من حيث هي لو كان لها أثر خاصّ حيث لم يقصده بالإطاعة.
ولذا استشكل بعض في استحقاق الأجر على الوضوء ونحوه من مقدّمات العبادات ، نظرا إلى ما ادّعاه من استقلال العقل بعدم استحقاق الثواب على امتثال الأوامر الغيريّة وإنّما الأجر والثواب عي امتثال الطلبات النفسيّة التي أريد إطاعتها في حدّ ذاتها لا مقدّماتها بحيث تكون المقدّمات من حيث هي منشأ لاستحقاق الأجر ، مع أنّ هذا ينافي الأخبار المتظافرة الدالّة على ترتّب الأجر على مثل هذه المقدّمات ، بل لعلّه المغروس في أذهان المتشرّعة.