وفيه : أنّ المناط في صحّة العبادة واستحقاق الثواب بفعلها ليس إلّا إيجاد المحبوب الذاتي بداعي طلب المولى ، بأن كان الباعث على فعله أمره ، سواء كان أمره بالفعل لإحراز مصلحة نفسه من حيث هي ، أو لكون هذه المصلحة الراجحة ذاتا من مقدّمات محبوب آخر.
وأمّا ما يقال : من أنّ العقلاء كافّة مطبقون على أنّ الإتيان بواجب واحد يتوقّف على مقدّمات عديدة ولو بلغ إطاعة واحدة وامتثال واحد ، ففيه : أنّه لو سلّم ففيما إذا لم تكن للمقدّمات بذواتها محبوبيّة ذاتيّة ، وإلّا فإطباق العقلاء على خلاف ما قيل ، فإنّ لإطاعة المقدّمات الراجحة ذاتا بنظر هم نحو ملحوظيّة واعتبار ، بل لا يرتابون ـ بعد علمهم بعدم توقّف مصلحة المقدّمة وحسنها على ترتّب فعل الغير عليها ، بل الغير يتوقّف عليها في حسنه ـ في أنّ فعل المقدّمة بنفسه سبب تامّ لاستحقاق الأجر والثواب وإن لم يأت بذيها أصلا.
نعم ، لو أتي بذي المقدّمة ـ كما في مسألة الاعتكاف ـ انتسب الثواب الى الاعتكاف ، لا لعدم سببيّة الصوم للثواب ، بل للزوم اشتمال ثواب الاعتكاف على ما يستحقّه لأجل الصوم وسائر أفعاله ، فلو صام يوما مثلا ، فبدا له إبطال الاعتكاف ، يستحقّ أجر صومه مستقلّا وإن كان ناويا بفعله المقدّميّة ، بل الحقّ أنّ إطاعة الشارع مطلقا من الجهات المحسنة للفعل ، المقتضية للمدح والثواب ، من غير فرق بين الأوامر النفسيّة والغيريّة ، ولذا شاع في الألسن وارتكز في الأذهان من حسن إيقاع المباحات على جهة العبادة بجعلها مقدّمة لعبادة واستحقاق الأجر بذلك.