نعم ، لمّا اجتمع الأمران في فعل شخصي واحد لا يمكن التعدّد فيه ، لم يكن بدّ من الإتيان به مريدا لموافقة الأمرين ، وهذا غاية ما يمكن في هذا الفرض من موافقة الأمر ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه يمكن تخليص الداعي لموافقة الأمر ، وتحصيل التبرّد بغير الوضوء إن أمكن ، وإلّا فعليه تضعيف داعي التبرّد ، وتقوية داعي الإخلاص ، فإنّ الباعثين المستقلّين يمكن ملاحظة أحدهما دون الآخر ، كما لو أمر الشارع بإنقاذ ولده الغريق ، فإنّه قد ينقذه لمحض محبّة الولد من غير ملاحظة أمر الشارع وإن كان ينقذه لو كان غير ابنه لمحض الأمر ولو تكلّفا لا عن شوق.
وقد يكون الأمر بالعكس ، كجميع ما كان يصدر عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المشتهيات والملاذّ النفسانيّة حيث كانت تصدر منه عليهالسلام لموافقة أوامر الله ، المتعلّقة بها باعتبار من الاعتبارات مع وجود الداعي المستقلّ الآخر بحيث لو فرضنا عدم رجحان ارتكابه شرعا من وجه من الوجوه ، كان يرتكبه بمقتضى الداعي النفساني فيه (١). انتهى كلامه رفع مقامه.
ولكنّك خبير بأنّ تضعيف الداعي النفساني قد لا يكون ميسورا حتى يصحّ تعلّق التكليف به ، أترى إمكان تكليف الأب ـ في المثال المذكور ـ بوجوب أن لا يكون إنقاذ الابن من حيث هو مقصودا له ، أو تكليف الجائع ـ الذي لا يصبر عن الطعام الواجب في حقّه الأكل حفظا لنفسه ـ بأن لا يكون الشبع من حيث هو مراده في الأكل.
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٩٠.