ولكنّ الإنصاف أنّه ينسبق إلى الذهن منهما كفاية المسح بإصبع واحدة على الكيفيّة المتعارفة ، وهي إمرارها إلى جهة الفوق ، أو من الفوق إلى قصاص الشعر.
ألا ترى أنّ غير واحد من العلماء تشبّث بهما لإثبات اعتبار مقدار الإصبع ، وعدم اعتبار غير الأزيد ، بل جعل الشيخ ـ فيما نسب (١) إليه ـ ثانيهما شاهدا للجمع بين الأخبار المطلقة والآمرة بالمسح بثلاث أصابع ، وخصّص أخبار الثلاث ـ بشهادة هذه الرواية ـ بغير صورة الاضطرار لبرودة ونحوها ، فلو لم يكن مسح مقدار يحصل مسحه بإدخال الإصبع على الكيفية المتعارفة مجزئا ، لكان على الإمام عليهالسلام التنبيه عليه في مثل هذه الروايات ، صونا للمسامع عن الوقوع من الاشتباه وإن لم يكن الإطلاق ناظرا إلى بيان حكم المسح من هذه الجهة ، إذ لا منافاة بين عدم كونه مقصودا بالإفادة أصالة واستفادته عرفا من الخطاب.
نعم ، لا دلالة فيهما على عدم اعتبار ما زاد على عرض الإصبع في طول الرأس ، فلا ينافيهما أخبار الثلاث ، لو أريد منها هذا المقدار من طول الرأس لا عرضه.
فقد ظهر لك أنّه لا وجه لتعيين مقدار الممسوح من حيث الطول وتحديده بعرض الإصبع بهاتين الروايتين ، لما عرفت من إهمالهما من هذه الجهة.
وكذا لا وجه لتعيين مقداره من حيث العرض بعرض الإصبع ، إذ لا
__________________
(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٢ : ١٧٣ ، وانظر : التهذيب ١ : ٩٠ ذيل الحديث ٣٣٩.