ثانيا (١). انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول : لو كان المناط في تطهير هذه الأشياء صدق الماء المطلق على ما نفذ في أعماقها مع اتّصاله بالكرّ واتّحاده معه عرفا بحيث يتقوّى به ، فلا يكاد يتحقّق هذا المناط في شيء من هذه الموارد ، ولا مجال للتشكيك في ذلك حتّى يتشبّث في إثبات اتّصاله واعتصامه بمادّته بالأصول العمليّة ، بل هو مقطوع العدم.
ألا ترى أنّ نفوذ الماء في الآجر أو الخزف الجديدين أسرع ، واتّصال ما نفذ فيه بأصله أقوى ممّا ينفذ في الصابون والحنطة ، مع أنه لا يشكّ أحد في عدم انفعال الماء الكائن في الأواني الخزفيّة ونحوها ممّا يترشّح منه الماء بوصول النجاسة إلى ظاهرها أو نجاسة سطحها الظاهر.
نعم ، ربّما يتوهّم العكس ، أعني انفعال ما رسب فيها أو ظهر عليها بملاقاة ما فيها للنجس ، نظرا إلى ما عرفت في مبحث تقوّي الماء السافل بالعالي من مساعدة العرف على عدّ الماء السافل متحدا مع العالي من غير عكس بالتقريب الذي عرفته في محلّه.
لكن هذا التوهّم أيضا ضعيف ، لضعف الاتصال ، بل استهلاك الأجزاء المائية النافذة في الباطن ، وخروجها لدى العرف من كونها مصداقا عرفيّا للماء ، فإنّها لا تسمّى عند ملاحظتها بالاستقلال لدى العرف إلّا النداوة والرطوبة ، فكأنّه قدسسره أغمض عمّا أورده نقضا ، إذ لا يظنّ بأحد أن يلتزم بطهارة ما يترشّح من الجانب الآخر من النجس المستنقع في الماء ، وكون ما يظهر عليه من النداوة و
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٣٧٩.