وما يقال من أنّه ليس فيما دلّ على حجّيّة البيّنة عموم يقتضي حجّيّتها في غير مورد الخصومات بحيث يعمّ مورد الكلام ، مدفوع : بأنّ اعتبارها في مورد الخصومات مع مقابلتها بقول ذي اليد ويده يدلّ على حجّيّتها في الموارد السالمة من المعارض بالأولويّة القطعيّة.
مضافا إلى ما أشرنا إليه من أنّ سوق الأدلّة يشهد بكون طريقيّة البيّنة لإثبات الموضوعات الخارجيّة من الأمور المسلّمة في الشريعة.
كما يرشدك إلى ذلك : ما رواه الكليني والشيخ (١) ـ عطّر الله مرقديهما ـ في الكافي والتهذيب بسنديهما عن الصادق عليهالسلام في الجبن ، قال : «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» (٢).
أقول : قوله عليهالسلام : «حتّى يجيئك شاهدان» إلى آخره ، كناية عن إحراز حرمة الشيء بطريق معتبر.
وتخصيص الشاهدين بالذكر ـ مع أنّ حرمة الأشياء ربما تستكشف بالعلم وقد تثبت بالاستصحاب أو بإخبار ذي اليد أو غير ذلك ـ إنّما هو بلحاظ المورد الذي ينحصر طريق إحراز حرمته غالبا في البينة ، لكونها منافية لفعل صاحب اليد ، الذي يشترى منه الجبن ، وسنشير إلى أنّ حرمة مثل ذلك لا تثبت بغير البيّنة.
وفرض استكشاف حرمة الجبن الذي يباع في السوق ـ كما هو ملحوظ
__________________
(١) لا يخفي أنّ البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٤٦ ، والنراقي في مستند الشيعة ١ : ٢٥٠ ، وصاحب الجواهر فيها ٦ : ١٧٣ قد نسبوا الرواية إلى الشيخ ، ولم نعثر عليها في التهذيب ، كما أنّ الشيخ الحرّ العاملي نقلها أيضا في الوسائل عن الكافي فقط ، فلاحظ.
(٢) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ٢.