وهذا هو الأقوى ، بل الأظهر عدم اشتراط العدالة المصطلحة ، وكفاية كون المخبر ثقة مأمونا محترزا عن الكذب ، لاستقرار سيرة العقلاء على الاعتماد على أخبار الثقات في الحسّيّات التي لا يتطرّق فيها احتمال الخطأ احتمالا يعتدّ به لديهم ممّا يتعلّق بمعاشهم ومعادهم ، وليست حجّيّة خبر الثقة لدى العقلاء إلّا كحجّيّة ظواهر الألفاظ.
ومن هنا استقرّت سيرة المتشرّعة على أخذ معالم دينهم من الثقات ، ولم يثبت من الشارع ردعهم عن ذلك ، بل ثبت تقريرهم على ذلك ، كما تقرّر ذلك في الأصول عند البحث عن حجّيّة خبر الواحد.
ويشهد لذلك أيضا كثير من الأخبار الواردة في الأبواب المتفرّقة يقف عليها المتتبّع.
مثل : ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال فيه : «إنّ الوكيل إذا وكل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماض أبدا ، والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه العزل عن الوكالة» (١).
وخبر إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام ، الدالّ على ثبوت الوصيّة بخبر الثقة.
قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا ، فقال لي : إن حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا وأعط أخي بقيّة الدنانير ، فمات ولم أشهد موته ، فأتاني رجل مسلم صادق ، فقال : إنّه أمرني أن أقول لك : انظر الدنانير التي
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٤٩ ـ ٥٠ / ١٧٠ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب كتاب الوكالة ، ح ١.