الأمور القارّة التي لا ترتفع إلّا برافع ، فما لم يثبت الرافع يجب الحكم ببقائها ، قابلة للمنع ، لإمكان أن يكون منشؤ حكم الشارع بوجوب الغسل وغير ذلك من أحكامها أمورا أخر ، كشدّة الاهتمام بالتجنّب عن النجاسات العينيّة ، وتنفّر الطبع عنها بالتنزّه عمّا يلاقيها ، أو نحو ذلك من الحكم الخفيّة التي لا إحاطة لنا بها ، خصوصا مع أنّه لم يرد في شيء من الأدلّة الشرعيّة التصريح بنجاستها حتّى يقال :إنّ مقتضى ظاهر اللفظ كونها قذرا في الواقع ، فليتأمّل.
واستدلّ للمشهور أيضا : بأصل البراءة.
وقد عرفت أنّه لا يخلو عن وجه صالح لأن يتأمّل فيه.
واستدلّ القائل باعتبار المرّتين : باستصحاب النجاسة ، الحاكم على أصل البراءة.
وبما يفهم من بعض الأخبار المتقدّمة (١) الواردة في البول الذي أصاب الجسد ، الذي ورد فيه تعليل الاكتفاء بصبّ الماء عليه مرّتين : بأنّه ماء ، حيث يفهم منه أنّ غسل البول أهون من سائر النجاسات ، فيكون غيره أولى بالتعدّد.
وبصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام أنّه ذكر المنيّ فشدّده وجعله أشدّ من البول (٢) ، الحديث ، فيقيّد بهاتين الروايتين إطلاق الأمر بالغسل الوارد في سائر الأخبار.
والجواب : أمّا عن الاستصحاب : فبما عرفت من أنّه لا يرجع إليه مع وجود الإطلاقات ،
__________________
(١) في ص ١٧٣ ـ ١٧٤.
(٢) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، و ٢ : ٢٢٣ / ٨٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب النجاسات ، ح ٢.