وربما يظهر من المدارك القول بتعيّنه حيث قال : ويمكن الجمع بينهما ـ أي بين الطائفتين من الأخبار ـ بالتخيير بين الأمرين وأفضليّة الصلاة في الثوب ، كما اختاره ابن الجنيد ، إلّا أنّ ذلك موقوف على تكافؤ السند ، وهو خلاف الواقع ، وكيف كان فلا ريب أنّ الصلاة في الثوب أولى (١). انتهى.
أقول : الجمع بين الأخبار بهذا النحو وإن أمكن بحمل الأمر الوارد فيها على الوجوب التخييري ، أو كونها مسوقة لإرادة الجواز في مقام توهّم الحظر وحمل بعضها ـ ممّا يأبى عن ذلك ـ على الأفضليّة ، لكن لا شاهد له ، والأخبار بظاهرها متناقضة ، وقد أشرنا غير مرّة إلى أنّ المتعيّن في مثل المقام إنّما هو الترجيح أو التخيير على ما تقتضيه قاعدة التعارض ، لا الجمع المستلزم لتأويل كلّ من المتعارضين من غير شاهد.
اللهمّ إلّا أن يجعل صحّة الأخبار الآمرة بالصلاة في الثوب النجس واستفاضتها شاهدة له حيث لا يتطرّق في مثل هذه الأخبار المستفيضة احتمال عدم الصدور احتمالا يعتد به ، فهي في قوّة المتواتر ، ومع ذلك لا يمكن ترجيحها على ما يعارضها ، أي الأخبار الآمرة بالصلاة عاريا ، لاشتهار العمل بهذه الأخبار قديما وحديثا بحيث لم نجد من الأصحاب من طرحها رأسا ، فإنّهم على الظاهر بين من أوجب العمل بمضمون هذه الروايات عينا ، وبين من حملها على التخيير ، جمعا بينها وبين ما يعارضها ، حتّى أنّ بعض المتأخرين ـ الذين استقرّت سيرتهم على عدم العمل إلّا بالروايات الصحيحة ـ لم يتجرّؤوا في المقام على طرح هذه
__________________
(١) مدارك الأحكام ٢ : ٣٦١.