ويجوز الفصل بين تمييز «كم» الاستفهامية و «كم» بالظروف والمجرور ، نحو قولك : «كم في الدار رجلا» ، ولا يجوز الفصل بين تمييز «كم» الخبرية وبين «كم» إلّا في ضرورة شعر ، كقول الشاعر [من الرجز] :
كم دون سلمى فلوات بيد (١)
وزعم يونس أنّه لا يجوز الفصل في الشعر إلّا بشرط أن يكون الظرف والمجرور ناقصين ، واستدلّ على ذلك بأن قال : إذا فصلت بالظرف التام يكون خبرا ، فكأنك قد فصلت بالخبر ، وذلك لا يجوز.
وهذا باطل لأنّ العرب لا تفرّق بين الظرف التام والناقص في الفصل.
و «كم» أبدا تلزم الصدر ، وأما الاستفهامية فأمرها بيّن لأنّ الاستفهام له صدر الكلام ، وأما الخبرية فلزمت الصدر حملا على «ربّ» لأنّ «ربّ» تلزم الصدر بالإجماع.
وزعم الأخفش أنّها لا تلزم الصدر لأنّها في معنى «كثير» ، وهو لا يلزم الصدر ، لأنّك إذا قلت : «كم غلام ملكت» ، فمعناه : كثير من الغلمان ملكت ، و «كثير» لا تلزم الصدر ، فكذلك ما في معناه ، فيجيز : «وأنت كم غلام ملكت». وهذا فاسد ، لأنّ العرب لم يسمع منها إلّا أن يجعل صدرا ، فيمكن إن لحظت في ذلك الحمل على «ربّ» كما قالوا ، لأنّها تلزم الصدر بإجماع.
واعلم أنّه لا يكون تمييز «كم» ما اختص بالنفي مثل «عريب» (٢) ، و «كنيع» (٣) ، و «طوريّ» (٤) ولا ما قرن بـ «لا» نحو : «كم لا رجل في الدار» ، ولا المعرفة ولا ما توغّل من الأسماء في البناء ، نحو : «من» و «ما» ، ولا ما توغّل في الإبهام ، نحو : «شيء». و «كم» لا بدّ لها من جواب ، وجوابها على حسب إعرابها ، فينبغي أن يبيّن إعرابها.
ف «كم» لا يخلو أن يكون قبلها حرف أو لا يكون. فإن تقدّم عليها حرف جر فهي في موضع خفض به ، وإن لم يتقدّم عليها حرف جر ، فلا يخلو أن تكون كناية عن ظرف زمان ،
__________________
(١) تقدم بالرقم ٤٩٠.
(٢) تقول : ما بالدار عريب ، أي : ما بها أحد.
(٣) تقول : ما بالدار كنيع ، أي : ما بها أحد.
(٤) الطوري : الغريب ، والوحشي من الناس والطير.