بخلاف «منذ» ، لأنّها لا يكون السير الموجب إلّا في جميع اليوم. وكذلك فعلت العرب.
فمحال أن يقع قبلها موجب لا يتطاول ، لأنّه يكون كذبا ، والمنفيّ يقع لانقطاع الشيء معقول دوامه.
وأما الماضي فالمعدود منه يكون فيه بمنزلة «في» على التفصيل الذي في ذلك من الاعتداد بالناقص وعدم الاعتداد به.
فإن كان معرفة غير معدودة فهي لابتداء الغاية ، فلو قلت : «رأيته منذ يوم الجمعة» ، اقتضى هذا أنّ الرؤية دامت إلى زمن الإخبار ، وذلك لا يتصوّر إلّا أن تريد ذلك بالفعل غير المتطاول فيقدّر مع «مذ» على كل حال ، والمنفيّ يتصل انقطاعه ، فهو سائغ في الجميع. فقد ثبت أنّها لا تدخل إلّا على الزمان.
فإن عطفت على الزمان الذي تدخل عليه ، فلا يخلو أن تعطف حالا على حال ، أو ماضيا على ماض ، أو حالا على ماض ، أو ماضيا على حال.
فعطف الحال على الحال يتصوّر ، فتقول : «ما رأيته مذ يومنا وليلتنا ومذ شهرنا وعامنا». ويكون في بعض هذه المسألة ما في قوله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)(١). وقوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ)(٢). من تكرار ما يدخل تحت عموم ما قبلها.
فإن عطفت ماضيا على ماض ، لم يجز ، قدّمت المتقدّم في الزمان أو أخرّته ، فلا يجوز : «ما رأيته مذ يوم الخميس ويوم الجمعة» ، لأنّ قولك : «مذ يوم الخميس» يقتضي أنّك لم تره في يوم الجمعة ، وقولك : «ويوم الجمعة» يقتضي أنّك رأيته في أوله ، لأنّ «مذ» إذا دخلت على الماضي المعرفة كانت لابتداء الغاية ، والفعل واقع في أول ذلك الزمان ثم يتصل انقطاعه ، فلما كان التناقض والكذب لم يجز. وكذلك لو قدمت «يوم الجمعة» ، فقلت : «ما رأيته مذ يوم الجمعة ويوم الخميس» لم يجز ، لأنّ يوم الخميس يقتضي أنّك
__________________
(١) سورة الرحمن : ٦٨.
(٢) سورة البقرة : ٩٨.