واستدلّ على صحة مذهبه بأنّ النداء قد عرّف المنادى الذي هو النكرة المقبل عليها ، فمحال أن يدخل على المعرفة وهي باقية على تعريفها لئلا يجتمع على الاسم تعريفان.
ومنهم من زعم أنّه باق على تعريفه. واستدلّ بأنّ من الأسماء ما لا يسوغ تنكيره كأسماء الإشارة ، ألا ترى أنّ المعنى الذي تعرفت به وهو الإشارة باق فيها وإن ناديتها.
وهذا المذهب هو الصحيح ، لأنّ النداء لا ينبغي أن يعرف من حيث هو خطاب ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «أنت رجل قائم» ، فخاطبت ، فإنّ الرجل لا يتعرف بخطابك إيّاه ، بل بقي على تنكيره ، وإنّما تعرّفت به النكرة المقبل عليها من حيث ناب مناب الألف واللام ، فإذا قلت : «يا رجل» ، فأصله : يا أيّها الرجل ، فلذلك لم تحذف حرف النداء منه ، لأنّه عوض من الألف واللام ولئلا يكثر الحذف ، وقد تقدّم ذلك.
ولم يجمع بين حرف النداء والألف واللام لئلّا يكون كالجمع بين العوض ، والمعوض إلّا في ضرورة ، كقوله [من الرجز]
٥٠٦ ـ فيما الغلامان اللّذان فرّا |
|
إيّاكما أن تكسباني شرّا |
__________________
٥٠٦ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٠ ؛ والإنصاف ١ / ٣٣٦ ؛ والدرر ٣ / ٣٠ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٤ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٩ ؛ واللامات ص ٥٣ ؛ واللمع في العربية ص ١٩٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٥ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٤٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.
الإعراب : «فيا» : الفاء بحسب ما قبلها ، «يا» : حرف نداء. «الغلامان» : منادى مبنيّ على الألف لأنّه مثنّى ، وهو في محلّ نصب. «اللذان» : اسم موصول في محلّ نصب نعت «الغلامان». «فرّا» : فعل ماض ، والألف ضمير في محلّ رفع فاعل. «إيّاكما» : مفعول به لفعل التحذير المحذوف تقديره : «أحذر» ، وهو مضاف ، و «كما» : في محلّ جرّ بالإضافة. «أن» : حرف نصب ومصدرية. «تكسباني» : فعل مضارع منصوب بحذف النون ، والألف في محلّ رفع فاعل ، و «الياء» : ضمير في محلّ نصب مفعول به أوّل. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل جر بحرف جر محذوف تقديره : «من» ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل المحذوف «أحذر». «شرّا» : مفعول به ثان لـ «تعقب».
وجملة النداء : «يا الغلامان» بحسب ما قبلها. وجملة : «فرّا» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : أحذر إياكما» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «تكسباني» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد : قوله : «فيا الغلامان» حيث جمع حرف النداء «يا» مع «أل» التعريف ، وهذا غير جائز إلّا في الشعر.