وإن جعلتها لـ «زيد» لم تنصب ، لأن المعنى : جاء زيد فأكرمه ، وذلك لا يجوز.
واعلم أنّ ما قبل الفاء إذا كان له معمول ، وأخّرته إلى ما بعد الفاء نحو : «ما ضربت فأهينه زيدا» ، ففيه خلاف.
فمنهم من أجاز ذلك ، ومنهم من منع. فالمجيز يقول : إنك لم تفصل إلا بمعطوف على الفعل بخلاف : «إن تضرب فهو مكرم زيدا» ، هذا لا يجوز باتفاق ، لأنّك فصلت بما ليس بمعمول للفعل الأول ولا معطوف عليه ، لأنّ الجواب ليس محمولا على الشرط ، ولو كان معطوفا عليه لشركه في المعنى.
والمانع يقول : إنّ الفعل الذي قبل الفاء في تأويل المصدر ، ولهذا صحّ النصب ، والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله بشيء. والصحيح أن لا تجيز هذا بإزالة شيء عن موضعه (١) ، لأنّ لمنع النصب لحظة ولإجازته لحظة ، فلو كان القياس لا يقبل مع النصب لأخّرناه ، لكن لا نقول به إلّا أن سمع ، وهذا حسن جدا.
واعلم أنّ الدعاء إذا كان على صيغة الأمر والنهي ، فقد قلنا ان حكمه كحكم الأمر ، ولكن ذلك ليس على الإطلاق ، بل نزيد فيه قيدا ، وهو أن نقول : إلّا أن يكون الأول دعاء عليه ، والثاني دعاء له ، أو بالعكس ، فإنّ النصب هناك لا يجوز ، وذلك : «ليغفر الله لزيد ويقطع يده» ، لا يجوز ، لأنّ اللام الأولى على معنى الدعاء له ، والثانية تجزم على معنى الدعاء عليه ، فلم يجز النصب ولا الجزم ، فإنّما يكون مقتطعا ، ونعلم أنّه دعاء بقرينة ، وهو أنّه لا يمكن أن يكون خبرا (٢).
وخالف أهل الكوفة في «غير» ، فأجازوا النصب بعدها ، لأنّ معناها النفي ، وذلك : «أنا غير آت فأكرمك». وهذا لا يجوز ، لأنّ «غيرا» مع المضاف إليه اسم واحد ، فلا يسوغ أن تقدّر بعدها وما أضيفت إليه مصدرا ، لأنّها لا يصح لها معنى إذ ذاك بخلاف لام الأمر وما ، لأنّك تقدر بعدها المصدر ، فتقول : «ليكن كذلك وما يكون كذا» ، و «غير» لا يتصوّر
__________________
(١) لعل في العبارة سقطا.
(٢) لعل في العبارة سقطا.