والمعنى الثاني : ما يكون إتيان فحديث ، أي : ما يكون معه حديث إنما يأتي ولا يحدّث ، فقوله : ما يكون إتيان فحديث ، اقتضى هذين المعنيين ، فكان النصب يعطيهما.
وأنت إذا قلت : «لم يقم زيد فعمرو» ، احتمل معنيين : أحدهما لم يقم هذا ولا هذا ، والآخر : لم يقوما إنّما قام أحدهما ، فالنفي اقتضى هذين المعنيين في النصب بخلاف ما تقدّم ، لأنّه لم يقتض النصب إلّا معنى واحدا. والرفع إما بالعطف أو بالاستئناف. هذا إن كان الأول مرفوعا فإن كان منصوبا حملت عليه منصوبا مثله ، وكذلك إن كان مجزوما جزمت ما يحمل عليه ، نحو : «لم تأتنا فتحدّثنا ولن تأتينا فتحدّثنا».
فهذا جملة ما في الفاء.
واعلم أنّه لو كان لفظ ما قبلها نفيا والمعنى على الإيجاب ، فإنّ النصب لا يجوز ، فمن ذلك : «ما زال زيد قائما فتكرمه» ، لأنّ المعنى ثبت على القيام ، فإنّما يكون ما بعدها مرفوعا على جهة الاستئناف.
ومما خالفنا فيه بعض الكوفيين «لعلّ» إذا كانت استفهاما فأجازوا النصب بعدها ، وذلك : «لعلك تحجّ فأحجّ معك» ، أي : هل تحجّ فأحجّ معك؟ فكما يكون النصب في الاستفهام ، فكذلك يكون هنا.
ومما خالفونا فيه «كأنّ» إذا خرجت عن التشبيه ، وأريد بها خلاف معنى التشبيه ، وذلك : «كأنّي بزيد يأتي فنكرمه» ، فهذا معناه : ما هو إلّا يأتي فنكرمه ، وهذا لا يحفظه أهل البصرة ، فإن ثبت قلنا به.
ومما خالفونا فيه أيضا «إنّما» ، وذلك : إنّما هي ضربة من الأسد فتحطّمه ، والنصب عندنا لا يجوز ، لأنّ الكلام موجب.
واعلم أنّ الفاء إذا دخلت على الفعل ، وكان فيه ضمير يعود على ما قبلها ، فلا يخلو أن يرجع الضمير إلى ما نفي الفعل في حقه ، أو إلى ما أوجب في حقه. فإن رجع إلى ما نفي عنه الفعل نصبته ، وإلّا رفعت ، مثاله : «ما جاءني أحد إلّا زيد فأكرمه» ، وإن جعلت الهاء لأحد نصبته ، كأنه قال : «ما جاءني أحد فأكرمه».