الذي حكى ابن الأعرابي لا حجة فيه.
وأمّا سيبويه ، رحمهالله ، فذهب إلى أنّه اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال ، ولم يجعلها مصادر ، أعني : «وحده» و «قضّهم» (١) و «ثلاثتهم» إلى العشرة ، لأنّها لم تحفظ لها أفعال تعم معانيها معاني المصدر ، فلو سمّيناها مصادر لكان على حدّ تسميتها «ويحا» و «ويلا» مصادر ، لكن الحق أنّها ليست مصادر.
فإن قيل : قد حكي : «وحده يحده وحدا» ، إذا مرّ به منفردا ، و «وحد الرجل يتوحّد وحادة ووحدا» ، إذا كان منفردا. وقد حكي أيضا لقضّهم فعل ، وذلك : «قضضت عليهم الخيل» ، إذا جمعتها عليهم ، وأما «ثلّثتهم» ، فيقال : «ثلّثت» و «ربّعت» إلى العشرة.
فالجواب : إنّ الذي حكى في «وحده» و «قضّه» مما انفرد به كتاب العين ، وكثيرا ما يوجد فيه أمور منكرات ، لأنّه لا واضع له.
وأما «ثلّثث القوم وربعتهم» فهي أفعال مأخوذة من الأسماء على حد : «ترب» ، من التراب ، ولو كانت مصادر لجأت على أبنية المصادر ، ألا ترى أنّ «ثمانية» و «أربعة» لم يجىء قط مصدر على بنائهما ، فدلّ ذلك على أنّها ليست بمصادر.
ومما يدل على أنّ «وحده» ليس بمصدر ، ولا «وحد» ، على حذف الزيادة أنّه لو كان مصدرا لتصرّف ، فكان يكون فاعلا ومفعولا كما يكون : «قتله صبرا» ، وبابه.
فلو لا أنّه اسم موضوع موضع المصدر لما امتنع من التصرف ، لأنّ المصادر التي لها أفعال لا تمتنع من التصرف ، اللهم إلّا أن تكون مما لم يستعمل لها فعل كـ «سبحان الله» ، فإنّها إذ ذاك لا تتصرّف.
ومما يرد به على يونس مجيئه في موضع الجمع مفردا فتقول : «يا لقوم وحدهم» ، فلا عذر لهم عن مجيئه في موضع الجمع مفردا ، ولنا العذر عن مجيئه مثنى ، وهو أنّ المصدر إذا اختلفت أنواعه ثنّي وجمع.
فقد تقرر صحة مذهب سيبويه رحمهالله ، فإذا قلت : «مررت به وحده» ، فمعناه عند الخليل : أفردته إفرادا.
وزعم المبرد أنّه في معنى مفرد ، وهذا أولى من مذهب الخليل لاطراده ، ألا ترى أنّك
__________________
(١) يريد قولهم : «جاؤوا قضّهم بقضيضهم» أي : جميعا.