حكم ذلك حكم السببي ، إن كان الفعل ماضيا أو حالا فالرفع ، وإن لم يكن فالنصب.
واعلم أنّ التقليل والتكثير في السببيّ ليس مقصورا على «قلّما» و «كثر ما» ، بل يجري مجرى التكثير : «سرت سيرا كثيرا» ، و «سرت سيرا شديدا» ، ومجرى التقليل : «سرت سيرا قليلا وضعيفا».
ومما يجري مجرى تقليل السبب ، إنّما في أحد وجهيها ، لأنّها تكون للحصر ، فتقول : «إنّما ضربت عبد الله» ، أي : ما ضربت إلّا إيّاه ، وتقول : «إنّما سرت حتى أدخلها» ، أي : سيري إنّما لم يكن إلّا لهذه الغاية ، فهو قليل يجري مجرى تقليل السبب في هذا الوجه ، فيكون الرفع معها قويّا والنصب ضعيفا.
فإن أدخلت في الكلام «أرى» أو «حسبت» أو «ظننت» ، فلا يخلو أن تدخلها قبل «حتى» أو بعدها. فإن أدخلتها بعدها فحكمها ما تقدم ، وإن كان الفعل القبلي سببا فالرفع إن كان ماضيا أو حالا ، والنصب إن كان مستقبلا.
وإن لم يكن الفعل القبليّ سببا ، فالنصب على معنى «إلى أن» و «كي» فتقول : «سرت حتى أدخلها أرى أو أظن أو أحسب» ، بالرفع والنصب على حسب المعنى.
فإن أدخلتها قبل «حتى» ، فقلت : «سرت أرى حتى أدخل المدينة» ، لم يتصوّر الرفع ، لأنّك لم تثبت سيرا يكون سببا ، إنّما جعلته فيما ترى وأنت في تأخيره (١) وقد بنيت الكلام على اليقين في مضيّ الحرف معملا.
وكل ما ذكرنا من الأحكام إنّما يكون ما لم تقع «حتى» خبرا ، فيكون لها موضع من الإعراب. فإن لم يكن الأمر على هذا ، وكانت «حتى» خبرا لم يجز الرفع ، فتقول : «كان سيري حتى أدخل المدينة».
وإنّما لم يجز الرفع ، لأنّها إذ ذاك بمنزلة الفاء عاطفة ، وخبر لمبتدأ لا يكون معطوفا ، لا يجوز : «زيد فقائم» ، ولا «زيد فقام» ، ولا «زيد فقام أبوه» ، فإنّما يكون إذ ذاك بمنزلة «إلى» ، و «إلى» تقع خبرا لمبتدأ ، فتقول : كان سيري إلى هذه الغاية.
وخالفنا أهل الكوفة في مسألتين مما تقدم ، فمذهبنا أنّ الفعل الذي قبل «حتى» إذا لم
__________________
(١) كذا ، والعبارة فيها إشكال.