يكن سببا لما بعدها فليس إلّا النصب ، نحو : «سرت حتى تطلع الشمس» ، وزعم أهل الكوفة أنّ الرفع جائز ، حكوا من كلامهم : «سرت حتى تطلع الشمس بعرفة».
وهذا من أسوأ ما سمع عنهم ، ألا ترى أنّ هذا سبب ، لأنّ طلوع الشمس بهذه البقعة يكون سبب جدّ السير لو ضعف ، فهم قد أخذوا سببا ، وغلطوا فيه ، وجعلوه غير سبب ، وكسروا القانون بناء على فهمهم السّيّىء.
وخالف الفراء فيما لا يتطاول من الأفعال فمنع فيه النصب. والذي لا يتطاول هو الذي لا يمتد ، نحو : «قمت حتى آخذ بحلقه» ، لا يجوز هنا عنده النصب ، لأنّ هذا الفعل لا يمتد ، فليس له غاية ينتهي إليها ، وإنّما أردت : قمت فأخذت ، ولم يتماد القيام حتى لزم أن يكون قمت إلى هذه الغاية. وهذا فاسد ، لأنّه ينتصب على معنى «كي» ، كأنّه قال : «قمت كي آخذ بحلقه» ، وزعم أنّه لم يسمع فيه إلّا الرفع ، فإن كان ما قال حقا ، فيكون عليه أنه جعله لقربه من الحال كأنّه حال ، فلم يكن فيه إلّا الرفع ، ولا يمتنع النصب بل يجوز بالقياس ، ولا مانع يمنع منه إذا أورد.
وهم قد خالفونا في السببيّ وفي غير السببيّ ، وخالفونا أيضا في مسألتين أخريين من السببيّ وغيره.
فأمّا الكسائي فإنّه زعم أنّ الحال ، وإن كان ما قبله سببا ، فإنّه يجوز نصبه ، فأجاز النصب فيما أنشده البصريون من قول الشاعر [من الكامل] :
٥٥٢ ـ يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم |
|
لا يسألون عن السّواد المقبل |
__________________
٥٥٢ ـ التخريج : البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٣ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ؛ والدرر ٤ / ٧٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٨ ، ٢ / ٩٦٤ ؛ والكتاب ٣ / ١٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٩ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٢.
اللغة : يغشون : يقصدهم الناس لينالوا معروفهم. تهرّ كلابهم : تعوي. السواد والأسودات والأساود : جماعة من الناس ، والسواد : الشخص.
المعنى : اعتاد الناس على زيارتهم ، ونيل معروفهم ، حتى صارت الكلاب لا تنبح لقدوم الناس ، لاعتيادها على قدومهم ، حتى الغريب القادم لا يسألونه من يكون ، أي يكرمون الجميع ، أو لا يسألون عن عدد القادمين فهم على استعداد ومقدرة.
الإعراب : يغشون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. حتى ما : «حتى» : حرف ابتداء ، «ما» : نافية لا محلّ لها. تهرّ :