واختلف أهل الكوفة والبصرة في الأمر بغير لام ، فزعم أهل الكوفة أنّه معرب وزعم أهل البصرة أنّه مبنيّ (١). والصحيح أنّه مبنيّ لأمور منها : أنّ الفعل أصله البناء ، وإنّما أعرب منه ما أشبه الاسم وهذا لم يشبه الاسم ، فبقي على أصله من البناء.
ومنها أنّه لو كان معربا ، لكان مجزوما ، ومجزوم دون جازم لا يتصوّر ، ولا يجوز أن يكون الجازم مضمرا لضعفه ، ألا ترى أنّ الجار لا يضمر مع أنّه أقوى منه ، ولا يلتفت إلى قوله [من الوافر] :
محمّد تفد نفسك كلّ نفس |
|
... (٢) |
لشذوذه (٣).
واستدل الكوفيون على أنّه معرب بأنّ البناء لزوم الآخر سكونا أو حركة ، ولم يوجد الحذف من علامات البناء ، ووجدناه من علامات الإعراب ، نحو : «ليغز» ، وهم يقولون : «اغز» ، و «ارم» ، فدلّ على أنّه معرب.
ولا حجة لهم في هذا ، لأنّ من كلام العرب إذ أشبه شيء شيئا عومل معاملته ، ألا ترى أنّه لما أشبه المبنيّ في باب «لا» التي للتبرئة ، وفي النداء المعرب ، أتبعوه على لفظه وإن كان المبنيّ لا يجوز إتباعه إلّا على الموضع خاصة ، فكذلك لما أشبه «اغز» «لتغز» ، في معناه وفي حروفه ، وأنّه فعل أمر مثله ، عاملوه معاملته في الحذف ، فثبت أنّه مبنيّ.
__________________
(١) انظر المسألة الثانية والسبعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٢٤ ـ ٥٤٩.
(٢) تقدم بالرقم ٥٤٥.
(٣) قال المؤلف قبل قليل إنّه ضرورة.