قال : لكن من اتّبعك من الغاوين فلك عليهم.
ومنهم من ذهب إلى أنّه يجوز أن يكون المخرج النصف فما دون ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ، نِصْفَهُ)(١). ووجه الدليل في هذه الآية أنّ القليل مستثنى من الليل والمراد به النصف ، بدليل أنّه قد أبدل منه النصف بدل شيء من شيء قالوا : ولا يجوز أن يكون أبدل منه بدل بعض من كل حتى كأنّه قال : قم نصف القليل ، لأنّ القليل منهم فلا يعلم قدر نصفه.
وهذا الذي استدلّوا به لا حجة فيه ، بل النصف بدل من القليل بدل بعض من كل ، ويكون القليل معيّنا بالعرف ، أي : بالعادة أن يسمّى قليلا.
والدليل على فساد ما ذهبوا إليه من أنّ النصف بدل من القليل بدل شيء من شيء أنّ من قام الليل إلّا نصفه لا يقال فيه انّه قد قام الليل إلّا قليلا.
ومنهم من ذهب إلى أنّه لا يجوز أن يكون المستثنى عقدا من العقود. واستدلّ على ذلك بأنّ كلام العرب مبنيّ على الاختصار ، فإذا قلت : عندي مائة إلّا عشرة كان نقيض كلامهم ، لأنّه أخصر من هذا أن تقول : عندي تسعون.
فإن لم يكن المستثنى عقدا جاز ، نحو قولك : «عندي مائة إلّا ثلاثة» ، لأنه أخصر من قوله : «عندي سبعة وتسعون» ، أو مثله ، فجاز لذلك.
وهذا فاسد ، لأنّه مبنيّ على أنّه يجوز الاستثناء من العدد ، وذلك فاسد ، لأنّ أسماء العدد نصوص ، والنصوص لا يجوز الاستثناء منها ، لأن الاستثناء منها يؤدّي إلى إخراج النص عن نصّيّته ، ألّا ترى أنّك إذا قلت : «عندي ثلاثة إلّا واحدا» ، كنت قد أوقعت الثلاثة على الاثنين ، وذلك لا يجوز ، وإنّما يجوز أن تقول : «قام القوم إلّا عشرة». ولا يلزم فيه ما قال من عدم الاختصار.
فأمّا قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٢) ، فإنّما جاز الاستثناء فيه عن اسم العدد ، لأنّه قد يدخله اللبس ، ألا ترى أن هذا القدر قد يؤتى به على جهة التكثير ، فيقال : أقعد ألف سنة ، أي : أقعد زمنا طويلا ، فلما كان قد يدخله الاحتمال جاز الاستثناء
__________________
(١) سورة المزمل : ٢ ـ ٣.
(٢) سورة العنكبوت : ١٤.