أنّ قيامه أكثر من قيام كل واحد منهم ، فلما كان فيها هذا القدر من الإخراج جعلها لذلك من هذا الباب.
وأما «بله» ، فإدخالها في باب الاستثناء فاسد ، لأنّك إذا قلت : «قام القوم بله زيدا» ، فإنما معناه عندنا : دع زيدا ، ولا يتعرض للإخبار عنه ، وليس المعنى إلّا زيدا ، قال الشاعر [من الكامل] :
٦٣٥ ـ تذر الجماجم ضاحيا هاماتها |
|
بله الأكفّ كأنّها لم تخلق |
ألا ترى أنّ المعنى : دع الأكفّ فهذه صفتها ، ولم يرد استثناء «الأكفّ» من «الجماجم».
وانفردت «إلّا» و «غير» بجواز حذف المستثنى بعدهما ، فتقول : «قام القوم ليس إلّا وليس غير».
__________________
٦٣٥ ـ التخريج : البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٤٥ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٢١١ ، ٢١٤ ؛ والدرر اللوامع ٣ / ١٨٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٣٥٣ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٤٧٨ (بله) ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢١٧ ؛ وتذكرة النحاة ص ٥٠٠ ؛ والجنى الداني ص ٤٢٥ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٢٣٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢١٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩٩ ؛ وشرح المفصل ٤ / ٤٨ ؛ ومغني اللبيب ص ١١٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٦.
اللغة والمعنى : تذر : تترك. الجماجم : ج الجمجمة ، وهي عظم الرأس. ضاحيا : بارزا للشمس. هاماتها : رؤوسها. بله : اسم فعل بمعنى «دع».
يقول : إنّ سيوفنا تقطع الرؤوس وتذروها على الأرض ، فدع الأكفّ لأنّها بالقطع أولى.
الإعراب : تذر : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : هي. الجماجم : مفعول به منصوب. ضاحيا : حال منصوبة. هاماتها : فاعل لاسم الفاعل «ضاحيا» مرفوع ، وهو مضاف ، و «ها» : في محلّ جرّ بالإضافة. بله : اسم فعل أمر بمعنى «دع» ، والفاعل : أنت. الأكفّ : مفعول به منصوب. كأنّها : حرف مشبّه بالفعل ، و «ها» : اسمها. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تخلق : فعل مضارع للمجهول مجزوم ، وحرّك بالكسر للضرورة الشعريّة ، ونائب الفاعل : هي.
وجملة (تذر الجماجم) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة ، أو استئنافيّة. وجملة (بله الأكفّ) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة (كأنّها لم تخلق) الاسميّة في محلّ نصب حال. وجملة (لم تخلق) الفعليّة في محلّ رفع خبر «كأنّ».
والشاهد فيه قوله : «بله الأكف» ، حيث لم يرد الشاعر استثناء «الأكفّ» من «الجماجم» ، بل أراد دع الأكفّ ... ، فإدخال «بله» في باب الاستثناء فاسد.