أثر جملة لتدل على الاستثناء ، فيكون ذلك نظير قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ)(١) ، بعد قوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً)(٢) ألا ترى أنّ ذلك يغني عن أن تقول : الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا إلّا من يؤمن بالله واليوم الآخر.
فإذا دخلت «ما» المصدرية على «خلا» و «عدا» فإن المصدر المقدر من «ما» مع الفعل في موضع نصب على الحال ، ولا يجوز غير ذلك.
وأما «ليس» و «لا يكون» ففعلان ، ويلزم إضمار اسميهما في هذا الباب ، ويكون الضمير مفردا على كل حال ، لأنه يراد به البعض وهو مفرد مذكر ، وينتصب المستثنى على أنه خبر لهما ، وذلك قولك : «قام القوم ليس زيدا» ، و «قام القوم لا يكون زيدا» ، كأنك قلت : قام القوم ليس هو زيدا ، ولا يكون هو زيدا ، أي : ليس بعضهم ولا يكون بعضهم ، ويكون الضمير عائدا على الفاعل الذي ينطوي عليه الكلام المتقدم. ألا ترى أنك إذا قلت أو عنيت بذلك قوما من جملتهم زيد ، حصل في خلد المخاطب أنّ بعض القائمين زيد ، فتقول : «ليس زيدا» ، تريد : ليس بعضهم زيدا أيّها المخاطب كما توهمت من قولي : «قام القوم» ، وتكون الجملة التي هي «ليس زيدا» ، و «لا يكون زيدا» ، في موضع الحال أو لا موضع لها من الإعراب كما تقدم في «خلا» و «عدا».
ولا يجوز استعمال شيء من هذه الأفعال بعد عامل مفرغ ، لأنّ الفعل لا يكون فاعلا ، ولا مفعولا ، ولا مجرورا ، فلا تقول : «ما قام خلا زيدا» ، ولا «ما ضربت ليس زيدا ، ولا يكون عمرا» ، و «ما مررت بعدا زيدا». فإن جعلتهما صفتين لما تقدم كان الضمير على حسب الأول ، وذلك قولك : «قام القوم لا يكونون زيدا» ، و «قام النساء ليس الهندات»
وأما «لا سيّما» فمن النحويين من أدخلها في هذا الباب كما ذكرنا فيما تقدم. وذلك خطأ ، لأن الاستثناء كما تقدم إخراج بعض من كل ، وأنت إذا قلت : «قام القوم لا سيما زيد» ، فـ «زيد» داخل مع القوم في القيام ، بخلاف الاسم الواقع بعد «إلّا».
والعذر لمن أدخلها في هذا الباب أنّ زيدا قد خرج به عن أن يكون على صفة القوم في القيام ألا ترى إنك إذا قلت : «قام القوم لا سيما زيد» ، فـ «زيد» مشارك للقوم في القيام إلّا
__________________
(١) سورة التوبة : ٩٩.
(٢) سورة التوبة : ٩٧.