العامل في «إذ» ما في «ابن ماويّة» من رائحة الفعل ، كأنه قال : أنا المشهور إذ جدّ النقر. فإذا عملت روائح الأفعال في الظروف والمجرورات ، فالأحرى والأولى أن يعمل فيهما ما فيه من معنى الفعل ولفظه.
وأما قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(١) ، فعلى حكاية الحال الماضية ، ألا ترى أنّ الواو في : «وكلبهم» ، واو الحال تقديره : وكلبهم يبسط.
وأما من قال إنّ السبب في ذلك شبهه بالفعل في جريانه عليه في حركاته وسكناته وعدد حروفه فيخرج عنه اسم المفعول والأمثلة ، لأنها ليست بجارية على الفعل وقد عملت عمله.
فإن قال : أجري اسم المفعول مجرى اسم الفاعل ، والأمثلة عملت لوقوعها موقع اسم الفاعل ، قيل له : فمهما أمكنك أن يكون موجب العمل فيها واحدا كان أولى من هذا التكلف ، وقد وجدنا ذلك هو السبب.
والثالث هو الذي ذهب إليه صاحب الكتاب ، وذلك أنه عمل لأنه في معنى فعل قد أشبه الأسماء. فإذا كان فيه الألف واللام عمل عمل فعله قولا واحدا كان ماضيا أو بمعنى الحال والإقبال ، وذلك أن الألف واللام من الموصولات ولا يوصل الموصول إلّا بالجمل.
فإذا قلت : «هذا الضارب زيدا» ، فهو في موضع اليضرب. والدليل على ذلك أنه قد رجع إلى الأصل في بعض الضرائر وعليه قول الشاعر [من البسيط] :
ما أنت بالحكم الترضى حكومته |
|
ولا الأصيل ولا ذي الرّأي والجدل (٢) |
فإن لم يكن فيه الألف واللام فلا يخلو أن يكون بمعنى الحال والاستقبال أو بمعنى المضيّ ، فإن كان بمعنى المضيّ فإمّا أن يكون متعدّيا إلى واحد أو إلى أزيد من واحد. فإن كان متعدّيا إلى واحد فحذف التنوين والإضافة بالإجماع ، إلّا الكسائي. وقد تقدّم بطلان مذهبه.
وإن كان متعدّيا إلى أزيد من واحد حذفت التنوين وخفضت الأول بالإضافة بالإجماع إلّا الكسائي ، فإنّه يثبت التنوين وينصب ، وأما الثاني فاختلف فيه أهل البصرة ، فمنهم من ذهب إلى أنّه منصوب بفعل مضمر يدلّ عليه اسم الفاعل ، فإذا قلت : هذا معطي زيد درهما أمس ، فعلى تقدير : أعطاه درهما.
__________________
(١) الكهف : ١٨.
(٢) تقدّم بالرقم ١٦.