ألا ترى أنّ «عتابا» لا يقع على من يعقل ، فيسوغ فيه ما ساغ في «أحد». فإن لم يتصور الاتصال على حال من الأحوال ، فالنصب ليس إلّا ، نحو قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(١). وقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى)(٢). وقول الشاعر [من الطويل] :
٦٤٤ ـ حلفت يمينا غير ذي مثنويّة |
|
ولا علم إلّا حسن ظنّ بصاحب |
و «الظن» ليس من جنس «العلم» ، و «ابتغاء وجه الله» ليس من جنس «جزاء النعمة» ، و «المرحوم» ليس من جنس «الراحم» ، ولا يتصوّر في شيء من ذلك ما ذكرنا من المجاز ، فلذلك التزم فيه النصب.
__________________
مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف. وضرب : «الواو» : للعطف ، «ضرب» : معطوف على (طعن) مجرور بالكسرة. الرقاب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «ليس عتاب بيني ...» : ابتدائية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله : «عتاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب» حيث استثنى (طعن الكلى وضرب الرقاب) من (العتاب) ، وهذا ما نسميه الاستثناء المنقطع.
(١) سورة هود : ٤٣.
(٢) سورة الليل : ١٩ ـ ٢٠.
٦٤٤ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤١ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٢٣ ، ٣٣٠ ، ٦ / ٢٨٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥١ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٢ ؛ واللمع في العربية ص ١٥١ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٢٨.
اللغة : مثنوية : استثناء ، يقال : حلف يمينا ليس فيها ثنيّة ولا مثنويّة ، أي ليس فيها استثناء.
المعنى : لقد أقسمت يمينا لا تراجع عنه ، ولا استثناء فيه ، وليس ذلك عن علم ، بل عن حسن ظنّ بصديقي يبلغ ما يكفي لأحلف.
الإعراب : حلفت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. يمينا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. غير : صفة (يمينا) منصوبة بالفتحة. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة. مثنويّة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ولا : «الواو» : للاستئناف ، «لا» : حرف نفي يعمل عمل (إنّ). علم : اسم (لا) مبني على الفتح ، وخبرها محذوف بتقدير (لا علم موجود). إلا : حرف استثناء. حسن : مستثنى منصوب بالفتحة. ظنّ : مضاف إليه مجرور بالكسرة. بصاحب : جار ومجرور متعلقان بالمصدر (ظن).
وجملة «حلفت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ولا علم» : استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه : أن «الظن» ليس من جنس «العلم» ، وهذا على الاستثناء المتقطع.