فعلى هذا إذا قلت : «ما في الدار أحد إلّا حمارا» تجعل «الحمار» ، كأنّه أحد لقيامه مقام «الأحد» له ، وذلك أنّ «الدار» إنما يتخذها من يعقل من الآدميين ، فلما لم يوجد فيها إلّا ما لا يعقل عومل معاملته لقيامه مقامه ، وعلى ذلك قوله :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلّا اليعافير وإلّا العيس (١) |
وأما أن يكون أطلق الاسم الأول على مسماه وعلى ما يلابس مسماه. فإذا قال : «ما في الدار أحد إلّا حمارا» ، فكأنّه قال : ما في الدار أحد ولا ما يلابسه. فأراد بالأحد الأحد وما يلابسه ، فيكون ذلك من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان مجاورا له ، وكان منه بسبب.
وزعم المازني أن وجه البدل أن يكون أطلق الأحد على الأحد وغيره ، لأنّه اسم لمن يعقل ، فلما اجتمع مع ما لا يعقل ساغ وقوعه عليه ، وعلى ذلك حمل قوله :
... ليس بها أنيس |
|
إلّا اليعافير ... البيت |
لأنّ «الأنيس» يقع على من يعقل ، فأراد به من يعقل وما لا يعقل وغلّب. وذلك فاسد ، لأنّه غير مطرد في الاستثناء المنقطع ، ألا ترى أنّه لا يسوغ له في مثل قوله [من الخفيف] :
٦٤٣ ـ ليس بيني وبين قيس عتاب |
|
غير طعن الكلى وضرب الرّقاب |
__________________
(١) تقدم بالرقم ٣٥٦.
٦٤٣ ـ التخريج : البيت لعمرو (أو عمير) بين الأيهم في حماسة البحتري ص ٣٢ ؛ وسمط اللآلي ص ١٨٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٣ ؛ ومعجم الشعراء ص ٢٤٢ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٢ / ٨٠ ؛ والمقتضب ٤ / ٤١٣.
اللغة : قيس : اسم قبيلة عربية.
المعنى : حصلت القطيعة والعداوة مع أفراد قبيلة قيس ، فليس بيني وبينهم عتاب الأحبة ، بل قتال فيه ضرب الرقاب بالسيوف ، وطعن الأجواف بالرماح.
الإعراب : ليس : فعل ماض ناقص. بيني : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، متعلّق بخبر (ليس) المقدّم المحذوف. وبين : «الواو» : حرف عطف ، «بين» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة معطوف على «بيني». قيس : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عتاب : اسم (ليس) مرفوع بالضمّة. غير : يجوز أن تكون صفة لـ «عتاب» مرفوعة بالضم. طعن : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الكلى :