فإن قلت : وما الدليل على أنّ اللام في قولك : «لا أبا لك» مقحمة؟ قيل : الدليل على أنّها مقحمة أنّ «أباك» و «أخاك» لا يكونان بالألف في حال النصب ، وبالواو في حال الرفع ، وبالياء في حال الخفض ، إلّا إذا كانا مضافين ، وهما بالألف ، فدلّ على أنّهما مضافان واللام مقحمة.
وزعم ابن الطراوة أن اللام هنا ليست مقحمة ، وحمل ذلك على لغة من قال : «أخا» ، بالألف في الأحوال الثلاثة.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّه لو كان كما زعم ، لم يقل : «لا أبا لك» ، جميع العرب ، والعرب قاطبة تقوله : فدلّ على بطلان ما ذهب إليه. وأيضا فإنّ العرب تقول : «لا يدي لك» ، بحذف النون ، والنون لا تحذف إلّا للإضافة ، فدل على أن اللام زائدة ، وحذفت النون للإضافة.
وإن قال : إنّ النون قد تحذف للطول ، وعليه قولهم : «قطا قطا ، بيضك ثنتا وبيضي مائتا» ، يريد : ثنتان ومئتان ، وكذلك قوله [من المتقارب] :
لها متنتان خظاتا كما |
|
أكبّ على ساعديه النمر (١) |
في أحد القولين. وكذلك قوله [من الطويل] :
هما خطّتا إما إسار ومنّة |
|
وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر (٢) |
فالجواب : إنّما جاء هذا في ضرورة شعر ، وقولهم : «لا يدي لك بكذا» ، في فصيح الكلام. وأيضا فإنّهم قد جاؤوا بذلك على الأصل ، قال الشاعر [من الوافر] :
٦٥٢ ـ أبالموت الذي لا بدّ أنّي |
|
ملاق لا أباك تخوّفيني |
__________________
(١) تقدم بالرقم ٥٦٩.
(٢) تقدم بالرقم ٥٦٨.
٦٥٢ ـ التخريج : البيت لأبي حيّة النميري في ديوانه ص ١٧٧ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٠ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ؛ والدرر ٢ / ٢١٩ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١١ ؛ ولسان العرب ١١ / ٢١٠ (خعل) ، ١٤ / ١٢ (أبي) ، ١٥ / ١٦٣ (فلا) ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٢ ؛ والخصائص ١ / ٣٤٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٦ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٠١ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٠٥ ؛ واللامات ص ١٠٣ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٧٥ ؛ والمقرب ١ / ١٩٧ ؛ والمنصف ٢ / ٣٣٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٣٣٧.
المعنى : يقول : أتخوّفينني بالموت الذي لا بدّ أنّه ملاقيني آجلا أم عاجلا ، شئت أم أبيت.