تقديره : وإذا ما مثلهم في الوجود.
وهذا باطل لأنّ معاني الحروف لا تعمل مضمرة.
ومنهم من جعله ظرفا بمنزلة بدل ، وهم أهل الكوفة ، واستدلّوا على صحة مذهبهم بقول المهلّب بن أبي صفرة : ما يسرني أن يكون لي ألف فارس مثل بيهس لأنّي لو رأيتهم يتسامون لقلت لعلّهم يتسامون لواذا. فقالوا : محال أنّه لا يسرّه أن يكون له ألف فارس كلّ واحد منهم مثل بيهس وإنّما المعنى أنّه لا يسرّه أن يكون له ألف فارس بدل بيهس لشجاعته وإقدامه في الحروب.
وهذا الذي قاله أهل الكوفة لا حجّة فيه ، لأنّ العرب إذا قالت : «مررت برجال مثلك» ، كان لهم في ذلك وجهان : أحدهما أن يكون : مررت برجال كلّهم كلّ واحد منهم مثلك. والآخر : أن يكون المعنى : مررت برجال كلّهم إذا اجتمعوا مثلك ، فعلى هذا يكون «ما يسّرني أن يكون لي ألف فارس مثل بيهس» ، يعني أنّه لا يسرّه أن يكون له ألف فارس كلّهم إذا اجتمعوا مثل بيهس وحده ، لأنّ شجاعة ألف فارس إذا كانت مجتمعة في فارس واحد كان أولى من افتراقها في أشخاص كثيرة ، لأنّه متى حضر كان بمنزلة ألف فارس ، وألف فارس إذا تفرقوا فقد يكون ذلك سببا لضعفهم.
ومنهم من قال : «مثل» منصوب على الظرف وكأنّه في الأصل صفة لظرف تقديره قبل الحذف : إذ ما مكانا مثل مكانهم بشر ، ثمّ حذف الموصوف وقامت الصفة مقامه ، فأعربت بإعرابه فصار : إذ ما مثل مكانهم بشر.
وهذا باطل لأنّه تقدّم أنه لا يحذف الموصوف إلّا إذا كانت الصفة خاصة ، و «مثل» ليس من الصفات الخاصة ، أو يتقدّم ما يدلّ على المحذوف.
ومنهم من قال : إنّ «ما» هنا لم تعمل شيئا ، ولا شذوذ في البيت. وذلك أنّها أضيفت إلى مبنيّ ، فبنيت على الفتح بمنزلة قوله : «يومئذ» و «حينئذ» ، وهو الصحيح.
فأما إن كان خبر «ما» ظرفا أو جارّا ومجرورا ففيه خلاف ، فمنهم من أجاز تقديمه على الاسم ، ومنهم من منع من ذلك.
والذين أجازوا هم البصريون قياسا على «إنّ» التي يتقدّم خبرها على اسمها إذا كان ظرفا أو مجرورا ، والذي منع هو أبو الحسن الأخفش ، ومنع أن يقاس هذا على «إنّ» لأنّها أقوى