قلت : زيد نعم جنسه الذي هو الرجال ، فإذا أثنيت على جنسه انجرّ له الثناء معهم ، والاخر : أن تجعل الممدوح هو جميع الجنس كلّه مبالغة ، فإذا قلت : زيد نعم الرجل ، فكأنّك قلت : زيد نعم زيد الذي هو من جنس الرجال. والعرب قد تجعل المفرد بمنزلة الجنس كله مبالغة في المدح ، من كلامهم : «أكلت شاة كلّ شاة» فجعل الشاة المأكولة هي جميع الشاء مبالغة ، ومنه قولهم : «كلّ الصيد في جوف الفرا» (١) فجعل «الفرا» الذي هو حمار الوحش لجلالته بمنزلة جنس للصيد. وقد صرّح المتنبي بهذا المعنى فقال [من السريع] :
٤٣٠ ـ وليس لله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
وكذلك يفعل في اللام ، وعلى هذا الوجه ينبغي أن تحمل التثنية وجمعه في قولهم : «الزيدان نعم الرجلان» ، و «الزيدون نعم الرجال» ، والجنس لا يثنّى ولا يجمع ، وعلى هذا الوجه الآخر يجوز تثنيته وجمعه ، لأنّك تجعل كلّ واحد من التثنية أو من الجمع كأنّه جميع الجنس مجازا ، فتسوغ التثنية والجمع.
__________________
(١) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في الأمثال النبوية ٢ / ٤٨ ؛ وتمثال الأمثال ٢ / ٥١٨ ؛ وجمهرة الأمثال ١ / ١٦٥ ، ٢ / ١٦٢ ؛ والحيوان ١ / ٣٣٥ ، ٢ / ٢٥٦ ؛ وفصل المقال ص ١٠ ؛ وكتاب الأمثال ص ٣٥ ؛ ولسان العرب ١ / ١٢١ (قرأ) ، ١٢ / ١٠٤ (جلهم) ، ١٣ / ٤٨٥ (جله) ؛ والمستقصى ٢ / ٢٢٤ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ١٣٦.
يضرب في الواحد الذي يقوم مقام الكثير لعظمه.
٤٣٠ ـ التخريج : البيت لأبي نواس في ديوانه ١ / ٣٤٩.
المعنى : ليس باستطاعة أحد أن ينكر على الله قدرته على جعل جميع الصفات الحسنة في رجل واحد.
الإعراب : ليس : فعل ماض ناقص. لله : اللام : حرف جرّ. الله : اسم الجلالة مجرور بالكسرة الظاهرة. والجار والمجرور متعلّقان بـ «مستنكر». بمستنكر : الباء : حرف جرّ زائد ، «مستنكر» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس». أن : حرف نصب. يجمع : فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». والمصدر المؤوّل من «أن يجمع» في محل رفع اسم «ليس». العالم : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. في : حرف جرّ. واحد : اسم مجرور بالكسرة الظاهرة ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «يجمع».
وجملة «ليس على الله بمستنكر ...» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب.
والتمثيل به في تأكيد فكرة جعل المفرد بمنزلة الجنس كلّه مبالغة في المدح.