الفصل الثاني
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً). ضاق بالفتية المؤمنين الطغاة من قومهم ، وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم .. فقال بعض الفتية لبعض : لا نجاة لنا من القوم الظالمين إلا بالفرار منهم ومما يعبدون ويفعلون. وبعد التداول والتشاور اتفقوا على اللجوء الى الكهف ، حيث لا يملكون مقرا سواه .. فدخلوه وأوكلوا أمرهم الى الله راضين بما يختاره لهم ، حتى ولو أماتهم جوعا وعطشا .. وهكذا المؤمن الصادق يبقى مع إيمانه وفيا له ، ولا يبالي بما يحدث ويواجه الصعاب بثقة وامل وحماسة ، ومتى بلغ الإنسان من الايمان هذا المبلغ كان الله معه أينما يكون ، وجعل له فرجا عاجلا ، حتى ولو تظاهر عليه أهل السماء والأرض كما فعل مع اصحاب الكهف بعد ان انسدت امامهم جميع المسالك والمذاهب ، فاختار لهم الراحة والأمن والتحرر من هم الحياة وآلامها ، فأنامهم نومة لا ينبههم معها شيء ، ولا يخافون من شيء.
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ ـ أي تنحرف ـ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ـ أي تعدل عنهم ـ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي في مكان واسع من الكهف ، فقد كان كبيرا ، وله كوة ينفذ منها الهواء الطيب ونور الشمس ، وكانت الشمس لا تصل الى أجسامهم ، لا عند طلوعها ، ولا عند غروبها ، لأنهم كانوا في مكان من الكهف لا يصل اليه نور الشمس ، أو لأن الله كان يصرفها عنهم بقدرته (ذلك من آياته) ذلك اشارة الى انحراف الشمس عنهم كأنها متعمدة ، والى وضعهم لا إيقاظ يحسون بمرور الزمن وما فيه ، ولا أموات بغير حراك وأنفاس .. ولا تفسير لهذا إلا قدرة الله وحكمته.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً). المراد بمن يهد الله هنا اهل الكهف ، وبمن يضلل من أراد التنكيل بهم. انظر تفسير ١٧٨ من الأعراف ج ٣ ص ٤٢٣.
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ). كانت عيونهم مفتوحة كأنها تنظر الى الامام ، وأجسادهم