لا يجمعان عند النبي (ص) في مكان واحد ، لأنهم سادة وأمراء ، والناس عبيد لهم وإماء .. وتأتي الآيات التي نحن بصددها لترسم صورة للأغنياء المتكبرين في شخص غني يملك المال والعقار ، وصورة للفقراء المؤمنين في شخص فقير لا يملك شيئا ، ولكنه يعتز بخالقه ، والغني يعتز بماله .. ويدور حوار بينهما يعكس الصراع بين الحق والباطل ، وفي النهاية ينتصر الحق ، ويزهق الباطل ، ويصدق الحكيم القائل : من صارع الحق صرعه.
ويتلخص معنى الآيات بأن الذي يعتز بماله من دون الله يملك بستانين عظيمين ، فيهما زرع كالحنطة وغيرها من الحبوب ، وفيهما أيضا أشجار كثيرة من نخيل وأعناب ، وكل بستان تتفجر في أرضه المياه ، ويخلب الألباب بهجة وجمالا ، ويؤتي ثمره ونتاجه في أوانه كاملا حبوبا وفاكهة ، لا ينقص منها شيء ، أما الذي يعتز بخالقه فلا يملك شيئا .. فقال الكافر للمؤمن في زهو وغرور : أنا أكثر منك مالا وجاها .. أنظر إلى ما أملك من زرع وأشجار ، وثمار وأنهار .. هذا هو الملك الدائم الذي يبقى للأولاد والأحفاد ، لا الجنة التي تزعمون أيها المساكين ، وهل بعد الموت جنان ونيران؟. وان صح الخبر فان حظي في الآخرة سيكون أوفى منه في الدنيا ، لأن المترف هنا مترف هناك أيضا.
فقال المؤمن للكافر مقرعا وموبخا : أتقول هذا بغيا وكفرا بالذي سواك رجلا؟ أتجهل أصلك وفرعك؟ ألست من آدم ، وآدم من تراب؟. ألم تك نطفة من مني يمنى؟ .. أما أنا فأؤمن بالله وأوحّده وأحمده على الهداية إلى صراطه ومرضاته .. ولو كنت من ذوي الرشد والبصيرة لتواضعت لله وشكرته على آلائه ، ولم تأخذك العزة بالإثم .. وما الذي جعلك تأمن المفاجئات والمخبآت؟. وإذا أملى الله للعاصين بحلمه ورحمته فقد يعاجلهم بغضبه ونقمته.
وما أتم المؤمن كلامه حتى سقطت الأشجار ، وغارت الأنهار ، وهلك الزرع وباد كل شيء في جنة الكافر التي نظر اليها وقال مغترا : ما أظن ان تبيد هذه أبدا .. وبعد أن رأى صنع الله ، وانقطع أمله من زرعه وأشجاره قال في حسرة وانكسار : يا ليتني لم أشرك بربي أحدا .. الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين .. هذا ملخص ما جاء في الآيات ، والقصد منها ان يؤمن الإنسان