قولا وعملا بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله الواحد القهار ، وانه ، جلت حكمته ، يحوّل ساعة يشاء العز الى ذل ، والغنى الى فقر ، والعافية الى أسقام وآلام وبالعكس ، وان ملك المخلوق مهما بلغ من العظمة فما هو بشيء إلا إذا تحول عملا من أعمال الخير. وبعد هذا التلخيص نشرع بالتفصيل وتفسير الآيات ، مع العلم بأن أكثرها واضح لا يحتاج الى تفسير.
المعنى :
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً). الخطاب في اضرب للنبي (ص) ، وضمير لهم للمشركين الذين قالوا لرسول الله (ص) : اطرد المؤمنين ، أو يعود الضمير لكل مترف متكبر ، والمراد بالرجلين الغني والفقير اللذان وقع بينهما الحوار الآني ، والمعروف من طريقة القرآن انه كثيرا ما يضرب الأمثال للأفكار المجردة والمبادئ العامة ، ويشبهها بالأشياء المحسوسة ، كتشبيه الايمان بالنور ، والكفر بالظلمات .. وقد يشبه المحسوس بمحسوس آخر أوضح منه وأبين ، كتشبيه المرتد عن الدين بالكلب اللاهث ، والغاية من ذلك الجلاء والتوضيح بالاضافة الى العبرة والعظة : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً. وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) ـ ٣٩ الفرقان.
وقد شبه سبحانه هنا حال الطغاة المترفين بمتكبر كافر جهول يملك بستانين ، فيهما نهر وزرع من الحبوب ، وأشجار تحمل الفاكهة المفضلة آنذاك وهما الرطب والعنب ، وكل من الزرع والشجر يؤتي نتاجه في أوانه كافيا وافيا لا ينقص منه شيء .. وشبه سبحانه المؤمنين بمتواضع مؤمن عارف ، ولكنه فقير لا يملك شيئا ، وقد وقع بين الاثنين الحوار التالي :
(فَقالَ لِصاحِبِهِ). القائل هو الغني الجاحد المتكبر ، وصاحبه المؤمن العارف المتواضع (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يراجعه في الكلام : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً). وإذا كان أكثر مالا ورجالا فهو أعظم وأكمل ، لأن المال والجاه هو مقياس العظمة والكمال ، أما الايمان والإخلاص فكلام بلا معنى .. هذا هو منطق الفسقة