الفجرة قديما وحديثا .. فقيمة كل امرئ ـ عندهم ـ ما يملك ، لا ما يحسن علما وعملا .. هذا هو بالذات المنطق الذي جر على الانسانية الويلات ، وهو الدافع الأول على التفنن بأسلحة الخراب والدمار ، وصرف الملايين على صنعها من أقوات الجائعين .. يسلب الاستعمار مقدرات الشعوب ، ويحولها إلى قنابل وصواريخ لا لشيء إلا ليلقيها على تلك الشعوب بالذات ، الشعوب التي يدمرها المستعمرون بقنابل من أرزاقها وخيراتها.
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) لأنه استجاب لاهوائها وشهواتها ، وعرّضها للتهلكة ، تماما كمن يستجيب لطفله فيما يضره ويهلكه (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً). قال الرازي : «كيف قال : ما أظن ان تبيد هذه أبدا مع ان الحس يدل على ان الدنيا بأسرها ذاهبة غير باقية؟. قلنا ، ان المراد انها لا تبيد مدة حياة صاحبها ووجوده».
والجواب الصحيح : ان الجهل والغرور أعميا صاحب الجنة عن كل شيء حتى عن المحسوسات والمرئيات ، قال عز من قائل : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) ـ ١٧٩ الاعراف. (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً). ولا يستند هذا الظن إلا الى بطره وغروره ، ووهمه وخياله بأن نعمته خالدة لا يفنيها شيء ، وبهذا نجد تفسير انكار من أنكر يوم الحساب من الطغاة والمترفين (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً). لأن المترف هنا مترف هناك وفي كل مكان في منطقه ومفهومه قياسا للغائب على الشاهد .. وما درى ان النجاة يومئذ للمتقين ، لا للطغاة والمترفين : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ـ ٢٨ الحاقة.
(قال صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلا). قال المؤمن للكافر مقرعا وموبخا : أتجحد خالقك ، ودلائله ظاهرة فيك؟. من أين جاءتك الحياة بعقلها وسمعها وبصرها ، ولم تك من قبل شيئا مذكورا؟. (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً). أما أنا فقد اهتديت بفطرتي وعقلي الى خالقي وخالق كل شيء وآمنت بأنه هو وحده الخالق الرازق.