ثم قال المؤمن مذكّرا الكافر بنعمة الله عليه ، وبوجوب شكرها وحمد الله عليها : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ). لو كنت من ذوي الرشد والبصيرة لأدركت ان الخير والفضل أن يكثر علمك ، لا مالك ، وان تباهي الناس بأخلاقك لا بجاهك ، وان تعلم انه لا حول ولا قوة إلا بالله الواحد القهار ، فهو وحده الذي يهب العز والجاه ، ويحوّل الغنى الى فقر ، والفقر الى غنى. ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن.
(إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً). استطال الكافر على المؤمن ، وتعالى عليه بماله ، فقال له المؤمن : ان الغنى والفقر بعد العرض على الله ، وما يدريك اني لديه أغنى منك وأكرم ، وانه قد ادخر لي في دار البقاء ما هو خير من جنتك هذه التي تفخر بها وتتعاظم ، بل ما يدريك أن يجعلني غنيا ، ويجعلك فقيرا بين عشية وضحاها؟. انك تزهو وتفخر بمالك لأن الناس يغبطونك عليه ، ولكن هل تدفع عنك غبطتهم هذه ما يخبئه الدهر لك من العواقب؟. وهل أنت في مأمن من الله وغضبه؟ ألا تخشى أن ينزل عليك وعلى جنتك صاعقة من السماء فتصبح أنت وما تملك أثرا بعد عين؟.
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها). هلك الزرع ، وهوت الأشجار من كل جانب ، وغار الماء حتى آخر نقطة منه ، وأصبحت الأرض زلقا لا تثبت عليها قدم .. كأن لم يكن شيء ، وحل الفقر محل الغنى ، والكآبة محل الفرح ، والذل والانكسار محل التعاظم والكبرياء .. وهذه هي ثمرة الكفر والبغي والفساد ، بل وثمرة الغفلة والغرور .. حسرة وندامة على الجهود والأموال ، والتفريط والإهمال.
(وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً). كأنه أراد بهذا القول أن تعود جنته الى روائها وعطائها ، ولكن هيهات .. (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ـ ١٥٨ الأنعام.
(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً). أبدا لا صاحب