أن يجعله في حل من صحبته ان سأله ، والمؤمنون عند شروطهم ، فكيف الأنبياء؟. (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً). قطعت عليّ كل عذر أتعلل به.
٣ ـ (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ). قيل : هي انطاكية ، وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق (ع) : انها الناصرة (اسْتَطْعَما أَهْلَها) طلبا منهم الطعام ضيافة (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما). قال المفسرون : انما قال : فأبوا أن يضيفوهما ولم يقل : فأبوا أن يطعموهما ـ للاشارة الى ان أهل القرية كانوا لئاما ، لأنه لا يرد الضيف إلا لئيم ، بخاصة إذا كان الضيف غريبا (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ). ضمير فيها للقرية ، وضمير فأقامه للعبد الصالح ، ويريد هنا بمعنى يكاد ، وكلّ من أراد وكاد تستعمل بمعنى الثانية ، والمعنى ان موسى وصاحبه رأيا في القرية حائطا أوشك على السقوط ، فسوّاه الثاني وأصلحه بلا مقابل ، فعجب موسى من ذلك و (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً). أتصلح الجدار بالمجان لقوم أبوا ضيافتنا ، ونحن في أمس الحاجة اليها؟ هلا طلبت أجرا على عملك لننفقه في ثمن الطعام؟.
وخرق السفينة ، وقتل الغلام مثالان على ما يبدو شرا في ظاهره دون باطنه ، وإقامة الجدار مثال على العكس.
(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً). اشترط العبد الصالح على موسى ان لا يسأل ، وقبل موسى الشرط ، ومع ذلك سأل ، ولما ذكّر بالشرط اعتذر ، ولكنه سأل بعد الاعتذار ، ولما ذكّر ثانية قطع على نفسه عهدا أن يجعل العبد الصالح في حل من صحبته ان سأل بعدها .. ولكنه سأل ، وهو الحريص على ان يتخذه العبد الصالح صاحبا .. وموسى (ع) معذور في كل ما سأل لأن نفسه تصبر على الخير والمعروف ، أما ما تراه منكرا فلا ولن تستطيع عليه صبرا ، حىّ ولو أدى ذلك الى مخالفة الوعد والشرط ، وأي وزن للوعود والشروط إذا أدت الى ترك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .. ان الغرائز النفسية وغيرها لا تصدها وتقاومها إلا قوة أقوى منها وأصلب ، ولا شيء أصلب من الايمان الصحيح. انه يتغلب على جميع الأهواء والشهوات ، ومن تغلب عليه شيء منها فما هو من الايمان الصحيح في شيء ، وان صلى وصام وحج إلى بيت الله الحرام.