هذا فراق بيني وبينك .. لك طريق ، ولي طريق .. هكذا قال لموسى صاحبه. وقبل ان يفترقا أخبره العبد الصالح بحكمة ما أنكر (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً). والعاقل يتحمل الضرر لدفع ضرر أكبر ، كما قال الشاعر «تحملت بعض الشر خوف جميعه». ومن هنا اتفق الفقهاء على ان الضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف ، وإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما ، واستخرجوا من هذه القاعدة الكثير من الأحكام ، منها جواز قطع العضو الفاسد إذا عرض صاحبه للهلاك.
(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) أي أرحم بهما وأبر ، وروي عن الامام جعفر الصادق (ع) ان الغلام كان في سن البلوغ ، وكان كافرا ، وانه كان يعمل جاهدا لحمل أبويه على الكفر ، تماما كما يفعل الآن بعض الشباب من غلمان هذا العصر .. وقد أدركنا أكثر من واحد من كبار العلماء بالدين كانوا محل الثقة والتقديس في جميع الأوساط ، حتى إذا بلغ غلمانهم هدموا كلما بناه الآباء في السنين الطوال .. واشتهر عن الإمام علي (ع) انه قال : «ما زال الزبير معنا حتى أدرك فرخه عبد الله». ويقول أحمد أمين المصري في كتاب حياتي : ها أنا ذا في شيخوختي قد أقبل ما كنت أرفض ، وقد أتنازل عن بعض المبادئ التي كنت ألتزم ، للواسطة وأحاديث الناس وكثرة الأولاد .. ويعجبني قول القائل :
عصيت هوى نفسي صغيرا وعند ما |
|
رماني زماني بالمشيب وبالكبر |
أطعت الهوى عكس القضية ليتني |
|
ولدت كبيرا ثم عدت الى الصغر |
(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً). المراد بالأشد الحلم والرشد ، ويتلخص المعنى بأن الجدار هو لصغيرين ، وتحته مال مدفون ، فأراد الله سبحانه أن يحمي