ضمير المخاطب في لتصنع لموسى (ع) ومعنى تصنع تربى ، والمراد بعين الله حراسته تعالى ورعايته .. كان فرعون إذا ولدت اسرائيلية ذكرا ذبحه ، وإذا ولدت أنثى استبقاها للخدمة ، ولما وضعت امرأة عمران موسى خافت عليه من فرعون ، وحارت به ، فألهمها الله أن تضعه في صندوق ، وتلقي به في النيل ففعلت ، وثبّت الله فؤادها ، وهدأ روعها ، وقذفه النيل الى الشاطئ .. وقيل : ان جواري آسية امرأة فرعون خرجن للاغتسال ، فوجدن الصندوق فصحبنه معهن ، وما ان فتحته امرأة فرعون ورأت الطفل حتى ألقى الله محبته في قلبها (وَقالَتِ امْرَأَتُ) (فِرْعَوْنَ ـ له ـ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ـ ٩ القصص ، فأبقاه فرعون وتربى في قصره مشمولا بحراسة الله ورعايته.
(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ). أراد سبحانه ان يرجع موسى الى أمه ، لتأنس به ، وتطمئن عليه ، وإذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه ، فحرم المراضع على موسى ، حتى حار به فرعون ، فذهبت أخت موسى الى قصر فرعون متنكرة ، وقالت : أنا أدلكم على من يرضعه ، وجاءت بأمه فقبّل ثديها ، فدفعه فرعون اليها ، وأجرى عليها رزقا.
(وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ). في ذات يوم مر موسى في شارع من شوارع مصر ، فرأى رجلين يقتتلان : أحدهما فرعوني والآخر عبري ، فاستغاث هذا بموسى ، فوكزه بيده ، وهو لا يريد قتله ، ولكنه قضى عليه ، وخاف موسى ان يقتصوا منه ، فخلصه الله من غم القصاص ، وإلى هذا أشارت الآية ١٥ من القصص : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ).
(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً). ان الله سبحانه يمتحن عباده بالسراء والضراء ، فمن شكر تلك ، وصبر على هذه قرّبه وأثابه ، ومن بطر عند النعمة ، وكفر عند الشدة طرده من رحمته. وقد امتحن سبحانه موسى بأنواع الشدائد والمحن فوجده صابرا ذاكرا ، فشرفه بالنبوة ، ورفعه الى الدرجات العلى (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) وذلك حين رعى غنم شعيب عشر سنين ، كما أشارت الآية ٢٧ من سورة القصص :