عَلى رُؤُسِهِمْ) : أعوذ بالله من النكسات والنكبات .. والنكسة هي الوقوف على الرأس ، وجعل أسفل الشيء أعلاه ، وأعلاه أسفله ، هي أن تبدد ما تملك من قدرة ليتحكم بك كل لئيم ، هي أن تعطي سلاحك لعدوك كي يقتلك ، أو تعطيه الحجة عليك من فعلك أو قولك ، تماما كما فعل قوم ابراهيم حين قالوا له : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ). وإذا كانوا لا ينطقون فكيف تعبدونهم؟ قال الطبري : نكس الشيء صيّر أعلاه أسفله ، ونكس الحجة ان يحتج الإنسان بما هو حجة لخصمه على المحتج ، كما فعل قوم ابراهيم.
(قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ). أنتم تعلمون ان هذه الأصنام لا تدرك ولا تنطق ، ولا تضر ولا تنفع ، فكيف تعبدونها (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟ وما ذا تصنع مع قوم يصرون على الضلال ، وهم يعلمون انه ضلال؟ لا شيء إلا أن تقول لهم : قبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال. و (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ). انصروا الآلهة .. أما الآلهة فهي عاجزة عن الانتصار لنفسها .. ومع ذلك هي آلهة .. «عنزة ولو طارت» .. هذا هو النكس والوقوف على الرأس.
(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ). قالوا وقال الله ، ولا راد لقوله :
وتسأل : ان النار محرقة بطبيعتها ، فكيف صارت بردا؟
الجواب : ان المؤثر الأول في كل وجود هو الله جلت عظمته ، فالفيض كله من عنده ، واليه تنتهي جميع الوسائط ، علة كانت أو شرطا أو أي شيء ، فالاحراق من النار ، والنار من الوقود ، والوقود من الطبيعة ، وهي من كلمته تعالى ، فهو الذي خلق النار التي تؤثر الإحراق شريطة أن لا يقول لها : كوني بردا ، فإذا قال لها ذلك كانت كما قال ، وبتعبير آخر ان بردها وحرها يتبع ارادة من خلقها وأوجدها (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ). أوقدوا النار ليحرقوا بها ابراهيم ، فكانت من معجزاته الكبرى والأدلة القاطعة على صدقه ونبوته : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ـ ٥٤ آل عمران.
وفي بعض التفاسير القديمة ان النمروذ لما رأى ان النار لا تؤثر في ابراهيم أمر